المدير بين اختيارين؛ الأول الاهتمام بالصورة الكاملة، الثاني الاهتمام بالتفاصيل.

قد يعتقد البعض أن التركيز على الصورة الكاملة هو الخيار الأكثر حكمة، لأن القائد بحاجة إلى رؤية الهدف العام والسعي لتحقيقه دون إضاعة الوقت في الأمور الصغيرة. لكن في بعض الحالات، قد تتراكم هذه "الأمور الصغيرة" لتتحول إلى مشاكل كبيرة. أيضا أرى في الانشغال المفرط بالتفاصيل قد يضعف ثقة الفريق ويخلق بيئة عمل مرهقة، حيث يشعر الموظفون بأنهم تحت المراقبة المستمرة.

كما أرى في القائد الفعّال أنه لا ينحاز كليًا لأي من الطرفين، بل يستخدم مبدأ الأولويات. بمعنى، هناك تفاصيل حرجة تتطلب المتابعة الدقيقة (خاصة في المشاريع المعقدة أو الحساسة)، وهناك تفاصيل أخرى يمكن تجاهلها طالما لم تؤثر على المسار العام للعمل.

كما أن الثقة في الفريق أهم شئ، فالقائد الذي يثق بفريقه يكون أكثر قدرة على التركيز على الصورة الكاملة، لأن الفريق سيتولى التفاصيل. أما القائد الذي لا يثق بفريقه، فسيضطر لمتابعة كل تفصيلة، مما قد يعيق الإنتاجية ويخلق بيئة عمل متوترة. لذا، برأي الاستثمار في بناء فريق قوي ومؤهل هو المفتاح لتجنب الانشغال بالتفاصيل الصغيرة.

لا أظن أن إهمال التفاصيل سيؤدي إلا الى نتائج سيئة. دائما ماتختبئ الحقائق خلف التفاصيل.. طبعا لا اقصد ان يعمل المدير حساب كل تفصيلة في عقلية معاتبة للموظفين ومحاسبتهم على اصغر الامور لا هذا سيزيد الوضع سوءا، بل اقصد الاهتمام بتفاصيل العمل نفسه او تفاصيل المشاريع وتطورات الشركة وكذا، يهتم برحلة العمل والمشروع أفضل من ان يتساهل فيها وينتظر النتيجة النهائية وفقط.

سأريك من تجربتي الشخصية، عملت في منصب قيادي في إحدى الشركات الناشئة، وكان أمامي نفس التحدي: كيف أوازن بين الصورة الشاملة وتدقيق التفاصيل. في البداية، قررت أن أركز على الصورة الكبيرة، وأعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام إذا كانت الأهداف واضحة. ومع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أن هناك مشاكل صغيرة تظهر في سير العمل، مثل تأخر في تسليم بعض المهام أو سوء التواصل بين الفرق. هذه التفاصيل، رغم صغرها، بدأت تؤثر على المشروع ككل.

فكرت في تغيير استراتيجيتي، وقررت أن أُخصص وقتًا أكبر لمتابعة التفاصيل المهمة، مثل متابعة تقدم المهام اليومية والتواصل بشكل أفضل مع أعضاء الفريق. بدأت باستخدام أدوات مثل "تطبيقات إدارة المهام" و "مؤشرات الأداء الرئيسية" لمتابعة تقدم العمل. ومع الوقت، تمكنت من ملاحظة التحسينات التي حدثت في سير العمل.

من الأمثلة التي، لاحظتها أن فريق التسويق كان يعاني من نقص في التنسيق مع قسم المبيعات، وهو ما تسبب في إضاعة فرص عمل. لذلك، أدخلت اجتماعًا أسبوعيًا لمناقشة التفاصيل الصغيرة بين الأقسام، مما ساعد على تحسين التعاون بشكل كبير.

التجربة علمتني أنه لا يجب تجاهل التفاصيل الصغيرة، ولكن من المهم أيضًا أن نتأكد أن هذه التفاصيل لا تشتت انتباهنا عن رؤية الهدف الأكبر.

عن نفسي سوف اختار التفاصيل أغلب الوقت، لأنها تضفي علي شعور بالراحة ناحية قيادتي وعدم قلقي من مشاكل داخلية لا أعلم عنها، وتعزز شعوري بالسيطرة أيضًا، وصدقًا لا أرى ذلك بمعزل عن الاهتمام بالصورة الكاملة أيضًا، الأمر يشبه الشخص الذي يرسم لوحة بورتريه بالتنقيط.

برأيي لا يمكن أن تكون صورة العمل جيدة والتفاصيل بها خلل يمكن تلاشي النظر له، ولكن قصدك أن الصورة العامة تبدو جيدة هكذا يصح الوصف.

الاهتمام بأدق التفاصيل عموماً هو ما يضمن صورة عامة جيدة جودة حقيقية وتجعلك مطمئن إذا ما قرر أحدهم أن يمعن النظر ويتفحص التفاصيل