عِنْدمَا يَلتَقِط النَّجَّار مِطْرقَتَهُ، تُصْبِح المطْرقَة، بِالنِّسْبة لِدماغه، جُزْءًا مِن يَدِه. وعنْدَمَا يَرفَع اَلجُنْدِي مِنْظاره إِلى وَجْههِ، فَإِن دِماغَهُ يَرى مِن خِلَال عيْنيْنِ جديدتيْنِ. وقد كَشفَت الدِّراسات اَلتِي أُجرِيت على اِسْتخْدام القرَدة لبعض الآلات، مَدى سُهُولَة أنْ تُدْمِج الأَدمِغة اَلمرِنة الأدوات ضِمْن خرائطهَا الحسِّيَّة، لِتُضْفي على الغَرض الاصْطناعيِّ شُعُورًا طَبيعِيا. وقد تَطورَت هَذِه اَلقُدرة فِي دِمَاغ الإنْسان بِشَكل أَكبَر بِكثير مِمَّا نَرَاه فِي غيْرنَا. إِذ إِنَّ قُدْرتَنَا على الانْدماج مع كَافَّة أَنوَاع الأدَوات هِي إِحْدى أَكثَر الخصائص تمْييزًا لَنَا كجِنْس بَشرِي. وبالْإضافة إِلى مهاراتنَا الإدْراكيَّة المتفوِّقة فَإِن ذَلِك يجْعلنَا بَارعِين فِي اِسْتخْدام التِّقْنيَّات الجديدة. كمَا أَنَّه يجْعلنَا كَذلِك بَارعِين فِي اِخْتراعهَا. إِذ تَستطِيع أدْمِغتنَا تَخيُّل آليَّات عمل أيِّ جِهَاز جَديد وفوائِد اِسْتخْدامه قَبْل أن يُوجَد الجهَاز على أَرْض الواقع.

عنْدَمَا يضع اَلجنْدِي المنْظار على عيْنيْه، لَا يُمْكِنه أن يَرى إِلَّا مَا تَسمَح لَه العدسَتان بِرؤْيَته. فَيصبِح مَجَال نَظرَهِ أَبعَد، وَلَكنَّه يَعمَى عَمَّا يَكُون على مَقْرُبة مِنْه. وتُعْطينَا تَجرِبة (نِيتْشه) مع آلَتِه الكَاتبَة مِثالا جيِّدًا على الطَّريقة اَلتِي تُمَارِس فِيهَا التِّقْنيَّات تأْثيرهَا عليْنَا. تَفْرِض كُلَّ أَدَاة حُدودًا مَا، حَتَّى وَإِن كَانَت تَفتَح آفاقًا جَدِيدَة. وَكُلمَا اِزْدَاد اِسْتخْدامُنَا لَهَا، اِتَّخذْنَا لِأنْفسنَا شَكلها ووظِيفَتهَا أَكثَر فأكْثر. وَهذَا يُفسِّر فُقْدَانكَ لِلْقدْرة على الكِتابة والتَّحْرير بِالْيد بَعْد اِسْتخْدامِكَ لِمُعَالج الكلمات لِفتْرة مِن الزَّمن.