يميل الرجال دائما إلى المرأة المستكينة التي تتعامل معه على انه حل لكل مشكلاتها، فحتى لو كان متزوجا ويربي عياله، تجده مستعدا لأن يضحي بكل شيء في سبيل تلك العلاقة الجديدة، وقد لا تكون المرأة ضعيفة أو مسكينة حقا، بل قد تكون مخادعة أو متلاعبة، لكن اللعب على هذا الوتر الحساس بالنسبة للرجال لا يخيب أبداً.

وهذا راجع في الأصل إلى النشأة والتربية وتحديداً إلى علاقة الرجل بأمه، حيث إن الأم هي أول امرأة يتعرف عليها الرجل في حياته ويحبها، وتنشأ بينهما صداقة خاصة، مما يجعل تلك العلاقة هي الأساس الذي سوف تبنى عليه كل علاقات الرجل بالنساء فيما بعد، وهنا علينا أن نفرق بين الأم المعززة لرجولة إبنها، وبين الأم المثبطة لها.

فالأم المعززة: هي التي تحاول إكساب إبنها مقومات الرجولة منذ نعمومة أظافره، من خلال الاعتماد عليه في حل المواقف الصعبة، حسب خبرته وسنه وقدراته، بحيث لا تحمله فوق طاقته، ولا تشعره بضعفه أيضاً، ثم تمدحه وتثني عليه، وهذا رغم أنها كانت تستطيع أن تحلها وحدها، لكنها تدرك أن ولدها يحتاج إلى حل تلك المشاكل بيده منذ الصغر، والأهم أنه يحتاج إلى الشعور بثقتها فيه لأن هذا هو معيار الحب في عين الرجل، ومصدر ثقته في نفسه وإحساسه برجولته.

ومثالها كالأم التي تطلب من إبنها أن يفتح لها غطاء برطمان مغلق بإحكام فإذا فتحه شكرته على مساعدتها، وإن لم يفتحه عابت في البرطمان انه غير جيد الصناعة، لكي لا تجرح إبنها.

وقد كان صديق لي قديماً يتباهى بطلب أمه منه أن يرفع لها الأثاث الثقيل وهي تنظف تحته، فكان يشعر بنشوة كبيرة حين يساعدها في التنظيف، ونشوة أكبر حين كانت تمدحه على ذلك.

وإذا تعجبت من سلوك هذا الفتى مع أمه، لأن معظم الشباب هذه الأيام لا يساعد ولا يعبأ بمشاكل أمه وأبيه، فهذا بسبب الصنف الثاني من الامهات.

وهي الأم المثبطة: التي لا تعبأ بمشاعر ابنها الرجولية، وتصر على استخدام اساليب تحكمية لتبسط سيطرتها على حياته، فلا تدع له منفذاً لحل مشكلاته بنفسه، وعوضاً عن مساعدها في حل مشكلاتها، تتدخل هي في مشكلاته بتسلط، مما يفقده الثقة في نفسه وفي قدرته على حل مشكلاته، فلا يعبأ هو بأزمات أهله، ويشعر أنه غير مرغوب فيه، مما لا يمكن أهله من الاعتماد عليه حين الكبر، لأنهم سلبوه إحساسه برجولته في صغره.

وما ينطبق على الأم ينطبق على الأخت والزوجة وأي أنثى في حياة الرجل، لذلك فإن كانت معظم النساء في حياة الرجل مثبطات ووجد واحدة تعززه، فحتى لو كان هو العائل الوحيد لأسرته، يمكنه أن يضحي بكل شيء لأجل تلك الغريبة التي وجد لديها ما لم يجده في أي أنثى حوله.

وهذا لأن التعزيز لا يشترط فيه الصدق، بل مجرد الإيحاء بالأهمية كاف ليشعر الرجل بهذا الإحساس، من خلال إشراكه في مشاكل حياتها اليومية شيء فشيء، اعتمادا على قدراته وامكانياته، حتى يأخذ الرجل صورة عن نفسه أنه لا يمكن الاستغناء عنه، وسواء أكانت تلك الصورة صحيحة او مزيفة لا فرق بالنسبة لنفسية الرجل، لأنه يحتاج إلى ان يشعر بهذا الشعور.

وكما كل شيء آخر يجتاج التعزيز إلى توازن، فالمبالغة فيه تصنع من الرجل طاووساً يتفاخر بكل كبيرة وصغيرة، والتقليل منه يفقد الرجل شغفه بالعلاقة، أما الآفات التي تفتك بهذا الإحساس دون هواده، فهي المقارنة والمحاسبة على اصغر الاخطاء وتصنع الضعف بشكل مبتذل.

فكما أن النساء لا يحببن مشاركة ازواجهن مع اخريات، فالرجال كذلك لا يفضلون مقارنتهم بغيرهم في نقطة الرجولة، لأن الطرفين يشعران حينها بأنهما محض احصنة رهان في سباق بلا معنى.

وإن لم يجد الرجال من يعززهم من النساء في حياتهم، يفقدون احترامهم لأنفسهم ويلجأون لما يعوضهم هذه الفجوة النفسية، مما يوصلهم إلى انواع الإدمان المحتلفة، فلو لاحظتم اعترافات المدمنين ستجدونها تتمحور كلها حول شعوره بالقوة والسيطرة خلال جلسة الإدمان، ويكون دائما سر عودته إلي المادة الإدمانية هو خذلانه امام نفسه وأمام أسرته وأقرانه.

وقد يشارك الرجال في مسألة التعزيز لكنهم لا يكونون مؤثرين كالنساء وهذا لأن علاقة الابن بأمه هي من وضعت هذا الأساس النفسي لتأثير الأنثى على نفسية الرجل.

رأيت مرة وأنا امشي في الشارع أماً ترجو صغيرها أن يذهبا إلى بيت خالته عوضا عن العودة إلى البيت، وكان هو رافضا للفكرة، ورغم أنه لا يبلغ ركبتها طولا، إلا أنها استمرت في إقناعه، فسألت نفسي لما لا تحمله وتذهب به عنوه؟! لكني وجدت الجواب بأنها احترمت رغبته وعاملته كرجل، ولم تشأ أن تجرح هذا الإحساس لديه وتشعره بضعفه وقلة حيلته، فآثرت أن تعزز لديه شعوره بالقوة وتحاول إقناعه برأيها عوضاً عن إجباره عليه، مما يربي بداخله القدرة على المحاورة واتخاذ القرارات في ابسط الأشياء.

وهذا هو سر دلال الولد على امه، لأن محاولاتها إقناعه تشعره برجولته وبحاجتها إليه، مما يحمله على العناد أحيانا من أجل الاستزادة من هذا الإحساس.

وهذا عكس ما تقوم به أغلب الأمهات مما يجعلنا نرى أجيالا لا تعرف كيف تقرر لنفسها اي شيء، لانهم تربوا في بيوت مثبطة لا ترحم رجولتهم ولا نفسيتهم.

وهذا ما يجعلني اعتقد بأن أقوى إحساس يمكن أن يجعل شابا يعشق فتاه هو أن تشعره هي بأنه يستحقها أنه رجلها.