"الولاء يعني إنعدام الحاجة للتفكير، الولاء هو عدم الوعي"

أؤمن أن المبادئ ليست رفاهية، وأن التنازل عنها تدريجيًا يؤدي لفقدان الهوية المهنية بالكامل.

ففي حالة التعارض بين مبادئي الشخصية والالتزامات الوظيفية، أحرص أولًا على فهم خلفية القرار أو المهمة المطلوبة، وأطرح أسئلة لتوضيح الصورة بشكل كامل. أحيانًا يكون هناك سوء فهم أو عدم وضوح في الأسباب التي دفعت لاتخاذ قرار معين، وعندما تتضح الصورة قد يزول جزء من التعارض.

أما في حال كان التعارض جوهريًا ويمس قيمي بشكل مباشر، فأفضل المواجهة المهنية الهادئة من خلال النقاش الصريح، مع اقتراح بدائل تحقق الهدف دون المساس بالمبادئ. وفي حال الإصرار على تنفيذ أمر غير أخلاقي أو مخالف لقيمي، فأعتبر أن الاستمرار بهذا الشكل يضرني على المدى الطويل، سواء مهنيًا أو نفسيًا، وبالتالي الانسحاب بيكون أفضل الحلول، حتى لو كان مكلفًا مؤقتًا.

البعض يرى أن الثقة هي الدافع خلف ذلك التصرف.. والبعض الآخر يرى أن الشعور بالمسؤولية هو ما يلزم ذلك الموظف لموالاة مديره دون إستجواب لقراراته، حتى وإن لم يثق به!

لا ثقة ولا مسؤولية. إذا كان القرار خاطئ ويعارض الأخلاقيات فالموظف يفعل ذلك لأنه يخشى على مصالحه ومن الطرد وألا أقول أن الخوف ليس من حقه فهو بالطبع سيتضرر ولكن مثلما تحدثت في مساهمتك أمس عن ضرورة فصل الخوف كالشعور عن الفعل ورد الفعل بحيث في النهاية مهما بلغ الخوف على الإنسان أن يتخذ القرار الصحيح ويرفض مخالفة مبادئه مهما حصل.

"عبد المأمور" ليست عذرًا. ، مسؤوليتي الأولى هي تجاه مبادئي ونزاهتي، وليس مجرد تنفيذ الأوامر بلا تفكير. الولاء الأعمى للسلطة ليس شجاعة، بل استسلام. إذا تعارضت المهام مع قيمي، سأرفضها باحترام وأوضح أسبابي. الثقة لا تعني التنازل عن الأخلاق، والشعور بالمسؤولية لا يعني التخلي عن الضمير. إذا اضطررت لترك عمل ينتهك مبادئي، سأفعل ذلك بلا تردد. لأن الرجل الحقيقي لا يبيع قيمه من أجل منصب أو راتب.

هذه واحدة من الإشكاليات الأخلاقية الكبرى التي تواجه أي شخص في بيئة العمل، خصوصًا عندما تتعارض القيم الشخصية مع متطلبات الوظيفة. شخصيًا، أؤمن بأن الولاء المهني لا يعني الطاعة العمياء، بل يتطلب قدرًا من التفكير النقدي والقدرة على التمييز بين ما هو أخلاقي وما هو مجرد "أوامر". الثقة بالمدير أو الشعور بالمسؤولية لا يجب أن يكونا مبررًا للتخلي عن المبادئ، بل العكس، المسؤول الحقيقي هو من يملك الشجاعة لرفض ما يتعارض مع قيمه حتى لو كان ذلك مكلفًا.

أرى أن الولاء لا يعني تنفيذ الأوامر دون تفكير، بل يجب أن يكون هناك مساحة للنقاش واتخاذ القرار بوعي. الالتزام الحقيقي لا يكون فقط باتباع التعليمات، بل بالحفاظ على المبادئ والقيم أثناء أداء العمل.

مررت بموقف مشابه في أحد أماكن العمل، حيث طلب مني تنفيذ مهمة لم أكن مقتنعة بها أخلاقيا. حاولت مناقشة الأمر وإيجاد حل وسط، لكن لم يكن هناك استجابة، فقررتُ ترك العمل لأنني لا أقبل التنازل عن قيمي.

من وجهة نظري، على الإنسان أن يضع حدودا واضحة منذ البداية، وإذا واجه موقفا يتعارض مع مبادئه، فمن الأفضل أن يحاول التفاوض أولا. وإن لم يجد استجابة، فالمغادرة تكون خيارا أكثر احتراما للذات من تقديم تنازلات تمس قناعاته.

على الرغم أن الرجل قد لا يمتلك رفاهية اختيار مهام عمله بسبب اعتماد أسرته عليه لإعالتهم خصوصاً إذا كان امتناعه عن العمل سيعني إقالته من وظيفته التي قد لا يمتلك مصدر رزق آخر له غيرها، لكن يمكن هنا تقسيم الموضوع لعدة نقاط حتى نستطيع الحكم بوضوح:

هناك مبادىء دينية تحكم الإنسان ولا يستطيع أن يتنازل عنها حتى ضمن إطار العمل.

هناك مبادىء قانونية قد تعرض الشخص للمساءلة الجنائية إذا تخطاها، وتلك أيضاً لا يجب أن يتخطاها أحد.

هناك مبادىء شخصية أو رؤية ذاتية للأصلح ويمكن أن يتمسك بها الشخص إذا كان هو صاحب المال، لكن إذا كان موظف في ملك غيره؛ فلصاحب المال الحق في إدارة ماله كما يحب طالما لم يطلب من الموظف التخي عن مبادىء دينية أو قانونية، وللعامل الحق في ترك العمل في هذه الحالة لكنه في رأيي سيفعل ذلك برغبته وليس اضطراراً كحالتي القانون والدين.

لست موظفة، فلطالما رغبت أن أعمل بحرية وأكون مديرة نفسي إلى حد كبير، ربما شخصيتي المستقلة من جعلتني أنفر من الوظيفة من 8 إلى 16 مساء ونظامها الغير منطقي

ورغم مروري بضيق مالي وبحاجة وشدائد إلى أني صبرت والحمد لله هذا الصبر جعلني أكثر قوة وصلابة فحتى لو تعرضت مستقبلا لمساومات لن أقبل بها لأني أعمل جاهدة لأن لا أكون في قبضة أحد، لأن الحاجة والوقوع في يد الآخرين هي من تجعل الشخص يقبل أن يكون عبدا مأمورا فنسأل الله السلامة، نعم هناك من يبحث عن العبودية لكن الكثير من الناس قبلوا الذل والهوان لأنه لا خيار لهم فعلا