"أنا لا أنتقم، أنا أعيد الشخص غريباً كما كان"!.. متى يكون التجاهل كافيا للإنتقام؟!

في الحقية أماني هناك رأيين بخصوص التجاهل، الأول أنه راحة للشخص نفسه وحفاظ على سلامه النفسي وأن تكون أولويته هي أن يكون بخير مهما كانت العواقب، والرأي الآخر أن التجاهل أو الاختفاء Ghosting هو نوع من الهشاشة ومشكلات في النضج العاطفي وتجنب المواجهة، وشخصيًا أرى أن المواجهة لا تصلح في كل المواقف، ولا سيما تلك التي لا عائد من المواجهة سوى خسارة أكبر ويكفي الابتعاد في صمت واختيار راحة النفس، ومواقف أخرى تستلزم المواجهة من باب المسؤولية وتحمل العواقب. التجاهل أو الاختفاء هو فعلًا أسوأ عقاب، لأنه يترك الآخر بلا إجابات أو ربما يساعده في اكتشاف حجم الخطأ والتراجع عن ذلك في العلاقات أو المواقف اللاحقة.

برأيي التجاهل قد يكون كافياً للإنتقام عندما يكون الشخص قد تجاوز حدود الاحترام وتسبب في الألم بطريقة لا يمكن التراجع عنها، وفي هذه الحالة لا يكون التجاهل مجرد تصرف عابر بل هو وسيلة لإعادة تقييم العلاقة وحمايتها من المزيد من الأذى، فحينما يشعر الشخص المقرب أنه أصبح غريبًا بعد أن أساء إليكِ عن عمد، فهذا قد يكون أقوى رد فعل يعكس مدى تأثير تصرفه على العلاقة، فالتجاهل هنا ليس سلبيًا بقدر ما هو وسيلة لحماية النفس وإظهار الحدود.

أري أن التجاهل قد يكون انتقاماً قاسياً، لكنه لا يصلح مع الجميع. فإذا كان الشخص يُقدّرك فعلاً، فسيشعر أنه فقد شيئاً ثميناً، وسيكون تأثيره مؤلماً عليه. أما إن كان غير مكترث من الأساس، فلن يؤثر فيه، بل ربما يكون التجاهل راحة له!

هناك أيضاً من يرون التجاهل علامة على الضعف أو العجز عن المواجهة، فيتحول من وسيلة انتقام إلى انتصار لهم. لذا، الأمر ليس مجرد (تجاهل وانتهى)، بل يجب التفكير فيما إذا كان سيحقق الهدف المطلوب أم أنه مجرد خطوة بلا تأثير حقيقي

بالنسبة لي التجاهل لا يمكن أن يكون دائما الحل الأمثل، فقد يكون هروبا من المواجهة أو مجرد وسيلة لكبت المشاعر. الأصح مواجهة الشخص الآخر فالمواجهة أكثر نضجا وفعالية، فهي تتيح فرصة لفهم الموقف وإصلاح ما يمكن إصلاحه أو وضع حدود واضحة إن كان الاستمرار في العلاقة سيجلب المزيد من الأذى.

التجاهل يأتي حين تفشل كل النقاشات والحيل الدبلوماسية في حل المشكلة مع الآخر ويصر على فعله

التجاهل ليس مجرد تصرف سلبي، بل هو رسالة قوية تحمل في طياتها الكثير من المعاني. عندما يتجاوز شخص ما حدوده ويستهين بمكانتك في حياته، فإن إعادته لمكانه الأصلي كغريب قد يكون أقوى رد. ليس لأنه انتقام بالمعنى التقليدي، بل لأنه يعيد التوازن لعلاقاتك، ويمنحك فرصة لحماية طاقتك من الأشخاص الذين لا يقدّرونها.

التجاهل يصبح كافيا عندما يكون البديل هو الدخول في دائرة من الجدل أو المشاعر السلبية التي لا طائل منها. عندما يدرك الشخص الآخر أنه لم يعد يمتلك ذات التأثير على مشاعرك، وأن وجوده أو غيابه لم يعد يشكل فارقًا، فحينها يكون التجاهل قد أدى دوره بالكامل

إذا كان الخطأ الذي ارتكبه المخطىء قد سبب أذى لمن أخطأ في حقه، فيكون التجاهل كافياً للانتقام إذا كان سيوقع ضرر بالمخطىء، كأن تكون هناك مودة من داخله تجاه من أخطأ بحقه، وسيؤلمه هذا التجاهل.

أما إذا كان خطأ بدون أذى شديد، فالتجاهل هو إكرام للعلاقة التي انتهت، ولنفس من وقع عليه الخطأ عن الوقوع في مهاترات تنتقص من شأنه.

أعجبني قولك أن أنسب انتقام هو إعادته لمرتبة الغرباء، وأتفق معك فيه تماما، لأن من يعرفك ويعرف مدى قربك منه لا يتوقع التخلي منك، فمجرد تغير المعاملة والتجاهل ، تعطي انطباعا بالتغير في المعاملة والمشاعر ، لذا ثقافة التخلي والتجاهل لا بد أن تكون لدينا إن كانت سببا في إيذائنا نفسيا بالمرتبة الأولى.

أختصرها بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعتزل ما يؤذيك.

أرى التجاهل كافي بكل وقت وحين ليس له حالة محددة أو موقف بذاته أو وقت بعينه، تجاهل الظالم يعني ترك القصاص عند العادل الذي لا يسهو وتجاهل المخطئ يجعله يدرك أثر فعله وتجاهل من لا يدرك قيمتنا يجعله يدرك أن رأيه غير فارق فيصمت وتجاهل المحبط حصانة وتجاهل الجيد حماية من الغرور والتكاسل، أنا أحترم التجاهل والتغافل للغاية وأرى أنهم من أهم الصفات التي يجب أن نتصرف بها