أن تطأ أرضًا كانت مألوفة يومًا، فتجدها قد تبدّلت، ليس في ملامحها فحسب، بل في أرواح من سكنوها، هو شعور لا يخلو من الغرابة، لكنه ليس بصدمة بقدر ما هو مواجهة هادئة مع الزمن. أن تعود حيث كنت تمنع طفلة شقية من أكل التراب، فتجدها اليوم عروسًا، أو أن تلتقي بذاك الطفل كثير البكاء، لتبارك له مولوده الثالث، هو أن ترى الزمن يتجسد أمامك في وجوه البشر.

لكن الأصعب، أن تسير في طرقات كانت تعجّ بالضحكات، فلا تجد إلا صمت الذكرى، أن تبحث عن وجوه ألفتها، فلا تصادف إلا صورهم في الذاكرة. إنه اختبار صامت للفقد، لا صخب فيه، لكنه يثقل الروح بما لا يمكن وصفه.

فما هو الأغرب؟ أن تعتاد الغياب، أم أن تدرك أخيرًا أن الزمن لم يكن يومًا في انتظارك، بل كان يمضي دومًا، وأنت وحدك من ظننت أنه سيظل ثابتًا؟