الأفكار و الخواطر لا تأتي طبعا كلما أراد المرء ذلك, فمثلا العالم اليوناني أرخميدس الذي عاش في جزيرة صقلية قبل الميلاد لم يكتشف قانون الطفو أو ما سمي فيما بعد ب"دافعة أرخميدس" و هو داخل مختبره بين كُتُبه أو في حصة بين طلابه، بل كان يُحمِّمُ عظيماته (كما نقول بالعامية المغربية) في حمام شعبي، و عندما لمعت الفكرة في رأسه, خرج عاريا كما ولدته أمه يجري في الشارع صارخا "يوريكا" "يوريكا" أي وجدتُها وجدتُها, و استطاع أن يجيب على السؤال المؤرق : لماذا لا تغرق السفن المصنوعة من الحديد بينما تغرق المسامير الحديدية؟

و أذكر أننا درسنا درس الطفو و الكثافة في مقرر سابعة إعدادي و هو من الدروس الأساسية في علم الفيزياء التي تدرس للتلاميذ عبر العالم. تخيل...مبدأ فيزيائي يدرس عبر العصور و لكل بني البشر و أين تم اكتشافه? ليس في مختبر بل في حمام!

و في القرن السابع عشر عندما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية لم يكن لحظة الاكتشاف الكبير معتكفا داخل مختبره أو ممضيا ليلة بيضاء وسط كتبه و مراجعه يحُل معادلة رياضية أو فيزيائية، بل كان مستلقيا في حديقة والده قبل أن تسقط فوق رأسه تفاحةٌ و يتساءل لماذا لم تسقط التفاحة في اتجاه اليمين أو اليسار بل اختارت اتجاها عموديا فوق رأسه المغدور. و يعلن عن أحد أعظم الاكتشافات في تاريخ الفيزياء.

و حتى vince gilligan مؤلف و مخرج مسلسل breaking bad الذي يعد حسب النقاد أحد أعظم الأعمال التلفزيونية عبر التاريخ ابتكر قصة السيناريو عندما كان يروي نّكتة لصديقه حول الأزمة الاقتصادية و البطالة في مدينته و يقول له فيما معناه "لم يبقى لنا سوى صنع الميثاميفتامين " (أحد أنواع المخدرات), لتلمع في ذهنه قصة المسلسل.

كخلاصة أعتقد أن ملايين البشر كانوا يستحمون قبل أرخميدس، لكن هو فقط من شرح قانون الطفو, و ملايين من البشر قبل نيوتن أكلوا التفاح و ما سألوا كيف يسقط. لكن نيوتن أو أرخميدس و غيرهم من البشر الأفذاذ يتميزون بعقل يتدفق بالأسئلة و خيال لا يكل من البحث عن الأجوبة.

أعظم الأفكار لا تأتي عُنوةً, لكنها تختار المثابرين بعناية و في الوقت الذي يحلو لها.