قبل فترة قرأت مقال لاحد الكتاب العراقيين وهو علاء الدين الأعرجي، يطرح فيه مسألة يعبر نفسه أنه أول من طرحها وهي الترابط الجدلي بين تحرير الذات من قهر الآخر وتحرير الذات من قهر ذاتها، يقول بأننا نعتبر أنفسنا أحراراً نتصرف بكامل إرادتنا ووعينا، في حين أننا مستعبدون من جانب العقل المجتمعي المتخلف، يقول اننا نحن العرب نناضل في سبيل تحرير أرضنا، وتحقيق استقلالنا، لم نفكر، في ذات الوقت، بتحرير أنفسنا من قهر أنفسنا. فقهر الذات من جانب الذات عينها، أدهى وأمرّ من قهر الذات من قهر "الآخر" .... الى هنا يبدوا المقال جيدا ومنطقيا، لكن هل فعلا نحن ينقصنا فعلا التحرر الذاتي؟ أم يلزمنا شيء أخر؟

علمتنا الفسلفة أن المبادئ ليست صحيحة دائما وأن الحقيقة في الجانب الآخر من أي نقاش قديم، وإذا فكرنا من جديد ، نجد أن العرب ليسوا مقيدي الفكر، كما أنهم ليسوا أحرارا، أي أننا لم نحرر أنفسنا ولم نقيدها في نفس الوقت، والسبب أننا لا نملك أليات التحرر الكافية من جهة، وفي نفس الوقت لا شيء يمكن أن يغلق عليه ويقهر ويبقى نفسه، اذا عدنا الى أبسط قاعدة فزيائية وهي : لكل فعل ردة فعل معاكسة مساوية في الشدة، وكما هو معروف الكبت لا يزول بل ينحرف، والطاقة لا تموت بل تغير شكلها، إذن العربي المقهور لا يبقى مقهورا بل يصبح في شكل أخر بين القهر والحرية، وهي ازدواجية الشخصية والفكر، فهو في الظاهر مقهور كليا لكنه في الباطن أقوى الثوار، وهذا ما يفسر المظاهر الاجتماعية المختلفة، من الانحرافات، والفرق الشاسع بين الإسلام وتصرفات المسلمين، فقد صنفت الشعوب العربية بالشعوب الأكثر مشاهدة للاباحية، في نفس الوقت هي أكثر الشعوب تدينا، والامر ينطبق على كل الأشياء الأخرى.

اذن المشكلة ليست في الحرية ولا في القيد، إذ لا يمكن للحرية أن تزول لأنها أساس الحياة، لكنها يمكن أن تنحرف وتتشكل بصور أخرى، المشكلة في فهم الانسان العربي، فهم متطلباته وتناقضات حياته، وبينيته النفسية وتاريخه، هذا من جهة،ومن جهة أخرى حتى الحرية المطلقة التي يدعوا إليها الجميع هي شكل من أشكال التقييد، وهي كارثة فكرية وحضارية وإنسانية يمكن ان نفرد لها موضوع لوحده لا حقا.

بعيدا عن السياسة والدين ...هل نحن محتاجون للحرية فعلا في رأيك ؟ ماهو مكمن الخلل في بنية الفكر العربي عموما؟ هل سنصبح أكثر تقدما في حال أعطيت لنا الحرية؟