هل الإنسان حقًا حر أم محكوم؟
هذا السؤال يتشعب في أذهاننا ويأخذنا في رحلة من التأملات العميقة التي تتجاوز ظاهر الإجابة. إن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل، فهو مرهون بكيفية رؤية الإنسان نفسه في هذا الكون، وفي كيفية اختياره لمصيره.
إن قلت بأن الإنسان حر، فقد يظن البعض أن الحرية تعني التمرد على كافة القيود، أن يتصرف وفق أهوائه دون اعتبار للحدود التي قد تحد من تصرفاته. هذا التفكير قد يتبناه الجاهل الذي يظن أن الحرية هي المعصية والتجاوز عن قوانين الحق. لكن الحقيقة، كما أراها، أن الحرية في ذاتها تكمن في قدرة الإنسان على اختيار مصيره، مع العلم التام أنه سيسائل عما اختاره يومًا ما، وسيتحمل تبعاته أمام خالقه.
أما إن قلت إن الإنسان محكوم، فقد يعتقد آخرون أن هذه القيود هي عبءٌ ثقيل مفروض من الدين والمجتمع، وأن الإنسان مجرد عبد لقوانين قسرية لا فكاك منها. ولكن الحقيقة في نظري هي أن الإنسان محكوم بالفعل، لكن هذا الحكم ليس من عبث، بل هو من إرادة خالقه، الذي وضع له قوانين لا تقيّد حريته بقدر ما تضمن له سبل العيش الطيبة في حياته وعلى درب عبوديته لله. فهذه القيود الدينية ليست إلا دروبًا لرشده ومرشدًا له في هذا الوجود، حيث هي نبع بركته ورزقه.
إذن، في جوهر الحقيقة، الإنسان له حرية الاختيار، ولكن عليه أن يعلم يقينًا أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل هي خاضعة للحكمة الإلهية التي وضعت له المسار. هو حرٌ في قراراته، ولكنه محكوم بتوجيهات خالقه الذي يضمن له طريق السلامة، شرط أن لا يأتي يومًا في الآخرة باكيًا يطلب المغفرة على اختياراته.
التعليقات