لحى الله صُعلوكاً إذا جن ليلـه    مصافي المشاش آلفاً كل مجزر

 يعد الغنى من دهره كـل لـيلة     أصاب قراها من صديق ميسر

 ولله صعلوك صفيحة وجـهـه     كضوء شهاب القابس المتنـور

لا شك أنها أبيات مؤثرة تتجسد في معانٍ رائعة لشاعر يمتلك سلوك التناقض بين الإيثار والسرقة، ويستبصر فيها أحوال الناس في زمننا الحالي، فقد جاء شعره في مقتل الحقيقة وصوابها، إنه الشاعر عروة بن الورد، شاعر من شعراء الجاهلية، وجواد من أجاويدها ، وصعلوك من صعاليكها الفرسان.

 عروة يصف في هذه الأبيات الصعاليك ضعيفي الهمة، فمن وجهة رأيه أن على المرء أن يكون مقدامًا وجريئا يخشاه الناس، غازيًا، ولا يأمن غزوه، فهو يحتج على الفقر والفقراء، ولا يقبل به، فاستخدم أسلوب الصعلكة والغزو على الأغنياء، ليسد حاجة القبائل الفقيرة والمعدمة، وقد كان يجمع مجموعة من الفقراء، يعتني بهم ويحدبهم، بالغنيمة التي يسرقها، وبالرغم من أنه شاعر وسارق إلا أن سيرته اتسعت بالأدب ومكارم الأخلاق فهو مكرم لأهله، ومراعٍ لأحوالهم، وعون لهم.

 لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يحق لعروة أن يسرق الطعام لإغاثة الجائع؟

قرأتُ ذات مرة بأنّ رجلًا يسرق التفاح ليطعم الآخرين، ولما سأله أبو حنيفة لمَ تسرق؟ أفتى لنفسه بغير علمٍ بأنه يتاجر مع الله، فهو بسرقته يخسر حسنة، ولكن عندما يتصدق بما سرقه فهو يكسب عشر حسنات وبذلك يتبقى له تسعٌ من الحسنات، لهو أمر غريبٌ حقًا!

فلو تحدثنا عن القرن الحادي والعشرين، سنجد بأن من يسرق يسرق لنفسه وليس لغيره، فالقليل من يكترث لغيره، ويهتم بأمره، فمازالت السرقة مستمرة لكن حب الغير والاهتمام بأمرهم زال.

دعونا نلاحظ أن الصورة اختلفت من حيث المبدأ والأسلوب، لكنها التقت في النتائج، فالإسلام نادى بحقيقة التعامل الإنساني، والتكافل الاجتماعي، ولكنه نبذ السرقة وحرمها.

 هل كان الشاعر عروة بن الورد بطلًا أم سارقًا، ولو كُنت مكانه، ماذا ستفعل؟