يبدو أن قضية السرقات الشعرية من القضايا التي شغلتني بعد أن شغلت النقد العربي قديما وحديثا، وليس معنى السرقات ذلك المعني الأخلاقي الذي قد يتبادر إلى الذهن أول وهلة، لكنه التأثر، أي تأثر شاعر بفكرة شاعر آخر فيصوغها بأسلوب جديد. 

يقول ابن رشيق : "هذا الباب (يعني السرقات الشعرية) لم يسلم منه أحد!"

ذكرتني هذه المقولة بمقولة جوليا كريستيفا: "ما الليث إلا عدة خراف مهضومة!" التي ستناولها في مساهمة مقبلة.

تعني أن كل عمل أدبي ما هو إلا نتاج أعمال أخرى، فكرة من هنا وأخرى من هنا، ثم ينتجها الكاتب في حُلة جديدة وقالَب جديد، ولا يُعرف من أين تكوَّن تحديدا!

لكن أمر السرقات أكثر وضوحا، فالسرقة يعرفها النقاد بوضوح، ومنها ما هو مذموم ومنها ما هو ممدوح، فالشاعر الذي يأخذ الفكرة ثم يصوغها بأسلوب جديد أخاذ، أو يضيف إليها فكرة جديدة فهي السرقة الحلال!

وأما أن يأخذ الفكرة فلا يضيف إليها شيئا فهي السرقة الذميمة.

وقد أتحفنا أدبنا العربي بكثير من هذه الضروب، فمن ذلك قول أبي نواس:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ...     وداوني بالتي كانت هي الداء

أخذه من قول الأعشى:

وكأس شربت على لذة        ...     وأخرى تداويت منها بها

لكن أبا نواس صاغ بأسلوب جديد، وأضاف فكرة (الممنوع مرغوب)

فكانت سرقته مقبولة ونافعة.

وقد تكون السرقة مذمومة جدا، وذلك مثل قول أحد الشعراء المعاصرين-وكان صديقه على وشك السفر-:

كم كنت أوثر أن تقول وداعي   ...  يا من له في النقد أطول باع

أخذه من قول أحمد شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:

كم كنت أوثر أن تقول رثائي     ...  يا منصف الموتى من الأحياء

فالذي يقرأ البيت الأول يستشعر أن صديقه قد مات وليس مسافرا!

برأيكم، هل ترون أهمية للسرقات الشعرية، وهل هي مقبولة أم مذمومة، وهل حقا أصاب ابن رشيق في قوله، وهل توافقون جوليا كريستيفا فكرتها؟ هل هنالك أبيات ترون فيها نوعا من السرقة!