عندما كنت في الصّف الأوّل الثانوي قرّرت إدارة المدرسة وفي نهاية العام أن تأخذنا في رحلة مدرسيّة كمكافأة لنا على مثابرتنا ونجاحنا. لا زلت أذكر سؤال المدير لنا حول المكان الذي نودّ الذهاب إليه وقد كان هناك حالة من الهرج والمرج والفوضى في اختيار المكان المناسب من قِبل الطلّاب. فمنهم من قال مدينة الملاهي ومنهم حديقة الحيوانات و آخر قال: قلعة صيدا الأثرية! بعد هذه الحالة الغير مجدية التي وصلنا لها في النقاش قال المدير: سأختار أنا بما أنّ هناك آراء متباينة بشدّة. لنذهب إلى جبل الأرز! عندما وضع المديرحدّا لهذه الحالة لم أمتلك إلّا أن أسأل نفسي: ماذا لو أنّه كان استبداديّا منذ البداية واتخذ هذا القرار متجنّبا بذلك هدر الوقت !

منذ ذلك الحين صرت أؤمن أنّه على القائد أو أي شخص في منصب إداري أن يكون في بعض الأحيان استبداديّا في اتخاذ القرارات وذلك حفاظا على مصلحة الكل. وبعد أن صرت معلّمة، تبنّيت هذا النهج في الكثير من المواقف التي إذا ما تركت فيها الحريّة للمتعلّمين ستصبح الأمور خارج نطاق السيطرة. فبدل اختيارهم لنشاط صفّي دوري أختار أنا النشاط وبدل أن يقرّروا الأغنية التي سيؤدونها في نهاية العام أختارها أنا. وقد لاقى هذا الأسلوب نجاحًا حمدًا لله.

إذا ما أردنا اسقاط الأمر في الواقع المؤسساتي مثلا، فقد حدث معي مثلا في أحد الأيّام أنه عندما كنت أتدرّب في قسم الموارد البشريّة في إحدى الشركات الشهيرة، أن قام المدير بطرح فكرة منتج جديد بشكل حازم وغير قابل لإبداء الأراء. وقد أصيب حينها معظم العاملين بالإحباط إذ أنّهم كانوا يتحضّرون لإعطاء مقترحاتهم و أفكارهم والتي لم تبصر النّور أصلًا.

وهنا أصبت بالحيرة فعلًا، فمتى يكون الاستخدام الأمثل للإدارة الإستبدادية؟ ومتى يكون استخدامها قمعًا لا أكثر؟