في رأيي، ربما واحدة من أهم نقاط الخلاف بين العرب وبين أي أمة أخرى تتمحور حول " الخصوصية ". كثير من العرب يتعامل مع مفهوم الخصوصية بإعتباره رديفاً للاهانة، إذا طلبت من أحدهم ان يمنحك خصوصيتك سواءً في اهتماماتك أو مكانك أو اي نشاط تمارسه، غالباً ما سيتراوح رد فعله ما بين النظر لك بعدم فهم - لا يستوعب أنه ليس مُرحّباً به - ، وليس انتهاءً بنظرات الشكّ فيك.

مع وجود استثناءات طبعاً وعدم التعميم، إلا أنني دائماً ما أصاب بالذهول من حجم انتهاكات الخصوصية التي تحدث كل يوم، بل ربما كل ساعة في حياتنا. تجلس في مواصلة عامة تتصفح هاتفك، تجد كل من حولك يحدقون في هاتفك بدون أي خجل. تخبر صديقاً عن اعتذارك بخصوص موعد أو " خروجة " ما ، فيشعر بإهانة بالغة بدلاً من أن يتفهم موقفك. تسمع موسيقى معيّنة، فيكون رد الآخرين بأن الموسيقى التي تسمعها هُراء رغم انك لم تطلب رأي أحد. الخ ..

حالة دائمة من اختراق الخصوصية من طرف اي احد تقريباً وفي أي موضوع، تتحول لاحقاً الى تنمّر كامل : كيف تفكر بهذه الطريقة ؟ .. لماذا لا ترد على المكالمة رقم 25 الذي اتصلت بك عليها ؟ .. لماذا ترى رسائلي على الواتساب ولا ترد فوراً ؟ .. لماذا لم تقم بعمل علامة لايك لمنشوري الأخير ؟ .. لماذا أنت صديق فلان ؟ .. لماذا ترتدي هذا التيشيرت ؟

وكل محاولة منك لشرح أن هذا أمر يخصّك أنت ، وأن سؤاله هذا غير مُرحّب به ، يقابلها الآخر بالاستهجان كأنك وجهت له إهانة جرحت كرامته !

هل لمست هذه الحالة في حياتك الشخصية او العامة ؟ .. على الأرجح نعم .. ربما اذا مررت بموقف - مواقف - سيكون من المفيد ذكـرها هنا ، ورأيك بخصوص هذه الحالة عموماً هل هي سببها ان مجتمعاتنا فضولية أكثر مما ينبغي ، أم انها مُجتمعات تتحلل فيها مفاهيم الخصوصية لدواعي الاندماجات الأسرية وفرض الرأي والعائلات والقبلية والاندماج الكامل الذي لا يسمح - أو يفهم - معنى جملة: هذا أمر يخصّني أنا !