لماذا نظل نحلم بالشيء سنين طويلة ثم ما إن نناله نزهد فيه ونمله؟! مالنا نحلم بشريك العمر هذا أو شريكة العمر تلك الجامعية الجميلة المثقفة العاملة ثم ما إن نظفر بها حتى نرتد على أدبارنا ونعود لا نرى فيها شيء يجذب ولا مزية تحترم وكأنها وكرسي البيت سواء بسواء؟!! مالنا نتوق فنظفر فنمل فننفر؟!!

 حكى لي صديق عن طلاق وقع بين أقرب أصدقائنا. كانا يريان بعضهما ملاكين جمعت السماء بينهما. الغريب أن سبب الفراق مدهش! هو الملل!!صارا لا يريان في بعضهما مزية ومل بعضهما البعض ونشبت الخلافات متعللان بعدم اهتمام أحدهما بالآخر! عجبت جداً وتساءلت كيف للمحبين اللذين كانا يضعان الدنيا في كفة واجتماعهما تحت سقف واحد في كفة أن يصيرا إلى ما صارا إليه؟!! هل وجود النعمة لدينا يزهدنا فيها؟ هل رتابة العادة تقتل الافتتان الأول الذي رأيناه بهم كما قال أبو تمام:

 وطول مقام المرء في الحي   ...................        مخلقٌ لديباجتيه فاغترب تتجدد

فإني رأيت الشمس زيدت محبةً ....................   إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد

 فلو أن الشمس أظلتنا طول الأربع وعشرين ساعة لمللناها.

 حينما بحثت في الأمر وجدت ما يعرف ب " عمى التكيف أو تحيز التأثير Impact Bias" وهو أن أحدنا يُعد حدثا أو شخصاً سيكون سبب سعادته المقيمة أو حتى تعاسته الأبدية إذا حدث أو حصل عليه في المستقبل. الأمر أخطر من هذا. فهذا العمى قد يفضي بنا إلى عدم الإحساس بكل نعم وطيبات الحياة. نعمة الحركة، الحس، البصر، السمع.... إلخ.  هنا أجدني أتذكر الآية الكريمة : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ..." فماذا بعد أن آتاهم الله صالحاً؟ لم يحفظوا العهد ونسوا النعمة!!

يبدو أن هذا طبع مغروز في البشر وهو أننا نتكيف مع النعمة فلا نكاد نشعر بها وانا هنا أتساءل وأسألكم: كيف لنا أن نتغلب على رتابة العادات ونرى للأشياء قيمتها وللناس قيمتهم كما عرفناهم أول مرة؟