أنا أرى أن الاستقلال عن الأهل ضرورة لكي يتطور الأبناء ويعتمدون على أنفسهم، ويحددون بأنفسهم ما يريدون وما يناسبهم في الحياة، ولكن مع تخوف الأهل ومعارضة العادات التي لا أفهم منطقها، كيف يمكننا تطبيق استقلال الأبناء عن أبائهم كالمجتمعات الغربية ولكن بما يناسب ثقافتنا؟
كيف يمكننا تطبيق استقلال الأبناء عن أبائهم كالمجتمعات الغربية ولكن بما يناسب ثقافتنا؟
الاستقلال يبدأ بالفكر وهذا أهم من أن يستقل جسديا بمكان منفصل، وهذا ما يجب بنائه عند الأطفال، في الاستقلال باتخاذ قرارهم والاختيار بأبسط الأمور بداية من الملابس والمدرسين والقرارات التي تبدو بسيطة ولكن تشكل جوهر شخصيتهم، بالتأكيد يكون هناك توعية وشرح للموقف والإيجابيات والسلبيات وله القرار، طبعا قد يكون هناك تدخل وفقا للسن لكن لو وجدت أن قراره قد يعلمه شيئا اتركه يجرب حتى لو كان به خسارة بسيطة خاصة لو كان متمسك به ليفهم، فالقدرة على اتخاذ القرار برأي أول خطوات الاستقلالية الصحيحة
وأنا أؤمنأيضاً أن التدخل يجب أن يكون محدود وفقاً لمرحلة نموهم، لكن من الضروري أن ندعهم يواجهون العواقب الطبيعية لقراراتهم، حتى وإن كانت النتائج غير مثالية. هذه التجارب - رغم صغرها - تمنحهم فرص ثمينة للتعلم والنضوج.
فكل خطوة نحو الاستقلال في سن مبكرة تساهم في بناء أساس قوي للقدرة على اتخاذ قرارات أكثر تعقيداً في المستقبل.
لو أن الأهل يسمحون بما ذكرتيه يا نورا ربما لم يكن هناك حاجة كبيرة للاستقلال التام وإن كانت له بعض الميزات الجانبية الأخرى ولكن يمكن أن يتعلمها الإنسان في ظروف أخرى، ولكن المشكلة كما ذكرت من البداية أن الأهل لا يسمحون بذلك، فيتحكمون بكل صغيرة وكبيرة في حياة أطفالهم إلى أن يكبروا ويصبحون شباب، في الجامعة يذهبون معهم في وقت التقديم والاختيار! تخيلي شاب أو شابة أصبحوا في الجامعة ومازالت ماما ترافقهم لتنجز لهم أمورهم! بضعة أوراق لا يتركون ابنهم أو ابنتهم تنجزها بنفسها، والغريب أن نفس هؤلاء الآباء يتعجلون زواج أبنائهم! كيف يتحمل إنسان مسؤولية بيت وأسرة وهو لم يتعلم تحمل مسؤولية نفسه بعد!
لا أقول أن كل الأهل يفعلون ذلك ولكن أطرحه كحل يحقق الاستقلال بالطريقة التي تناسب عقائدنا، وإن كان الأهل لن يكون لديهم الدافع لتطبيق الاستقلالية الفكرية على الأقل، فلن يسمحوا بالاستقلالية التامة والانتقال لمكان منفصل للعيش
إذا كنا نبدأ الموضوع لتحسين زاوية الأهل نحوه، فينبغي بناء ثقة بين الآباء والأبناء، وبناء تطبيع مع ثقافة أنه لا بأس من مغامرة مُراقبة للأبناء حتى يقوموا بالخطأ ويتعلموا، أعي أن الأمر أصعب بكثير للفتيات، كون الاعتبارات "الأخلاقية" تجعلك ترفض أن تعيش فتاة مراهقة أو شابة بمفردها، ولكن حتى الأبناء قد يواجهوا تعنت ناتج عن أنهم بالتأكيد لن يستطيعوا إدارة الأمور، في كلا الجنسين الأمر يكمن في الوعي بمدى النضوج والتحديات الجديدة التي يخوضها الجيل الجديد، أو جيل "زد" مثلًا، فحتى إن كانوا داخل منزلك وتحت عينيك فهم يخوضون معارك ومغامرات لا تعلم عنها شيئًا وقد تكون بعضها خطير، لذا لمَ لا تجعلهم يخوضونها تحت عينيك وبإشرافك؟
أعلم أنني لم أقدم حلًا جذريًا ولكن في مسألة مثل هذه لا شيء يجدي غير زعزعة الثوابت عن الأخلاق والفرق بين الرجل والمرأة في مسألة مثل الاستقلال، والفرق التي يحدثه الاستقلال في جعل المراهقين بالغين.
صحيح أن الفكرة من السماح للأبناء بخوض التجارب والمغامرات تحت إشراف " مغامرة مُراقبة للأبناء" تبدو منطقية في سياق تعزيز ثقتهم في أنفسهم، لكن إذا نظرنا إلى الواقع قد يتحول ذلك إلى تبرير للمبالغة في التدخل وفرض سيطرة على حياة الأبناء حتى في مرحلة ضرورية من استقلالهم وقد نجد أنفسنا في دائرة مغلقة من الرقابة المستمرة، وهو أمر قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين الأهل والأبناء في المدى الطويل.
لا أعلم ولكني أراه العكس! المغامرة والمراقبة شيء لا يجتمعان عند أسلوب تربية معظم الأسر العربية، فإذا وصلنا لهذا المستوى قد يعد إنجازًا نتحرك منه لمناطق أكثر تحررًا، مثل قبول الأباء باستقلال أبنائهم وبناتهم تمامًا في سن صغيرة نسبيًا، لأنهم جربوا بالفعل مستوى جزءي من تلك المغامرة. نحن نريد الكثير بالفعل في مسألة استقلال الابناء ولكن واقعيًا نحن أبعد ما يكون عن نتيجة مرجوة، ولنكن واقعيين أيضًا فتدني المستوى الأمني مؤخرًا في كثير من البلدان العربية ساهم في تعزيز صرامة الآباء حول الأمر.
نعم صحيح الجمع بين المغامرة والمراقبة يعتبر تحدي كبير عبد الرحمن في الكثير من الأسر العربية، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية التى أشرت إليها. لكن المغامرة ليست فقط عن الأمان المادي، بل أيضاً عن الحرية الفكرية والنفسية. على سبيل المثال في بعض الدول الغربية، يبدأ الشباب في الاستقلال مبكراً، لكنهم يظلّون مدعومين من مؤسسات تعليمية ومجتمعية تساعدهم على إدارة تجاربهم ( مع تحفظى على بعض الأمور ). بينما في عالمنا العربي، قلة المساحات الآمنة للتجربة والخطأ تجعل الاستقلال يبدو صعباً.
رغم ذلك، أعتقد أنه يمكننا إيجاد حل وسط، يجمع بين الأمان وبين السماح للمراهقين بالتجربة والاستكشاف بطريقة مدروسة، خاصة في الظروف الأمنية الصعبة التي نعيشها.
بينما في عالمنا العربي، قلة المساحات الآمنة للتجربة والخطأ تجعل الاستقلال يبدو صعباً.
الأهل أنفسهم أو لنقل أغلبهم يوفرون نفس المساحة الصغيرة للتجربة والخطأ، أي يضعون خيارات محدودة جدا أمام أبنائهم فيما يخص تعليمهم ومستقبلهم، فعلى الأقل إذا سمحوا له بالاستقلال يمكنه أن يجد طريق آخر مختلف له، خصوصا وأن قلة الخيارات لدى الأهل ناتجة عن قلى وعي فهو يربون كما تربوا وبناء على ظروفهم هم وعصرهم هم أما الوقت الحالي فقد اختلف تماما في كل شيء.
بالضبط، في وقتنا الحالي، أصبح من الضروري أن يوسع الأهل آفاق أبنائهم ويمنحوهم مساحة أكبر لاختيار مساراتهم الشخصية بعيداً عن القيود التقليدية. فالعالم اليوم يتغير بسرعة، والفرص متنوعة في مجالات مختلفة قد لا تكون الأجيال السابقة على دراية بها. منح الأبناء حرية التجربة والتعلم من الأخطاء ليس فقط يساعدهم على اكتشاف أنفسهم، بل أيضاً يمكّنهم من تكوين مهارات قد تكون غير تقليدية، لكنها ضرورية في سوق العمل المتغير.
كون الاعتبارات "الأخلاقية" تجعلك ترفض أن تعيش فتاة مراهقة أو شابة بمفردها.
لماذا الأمر غير أخلاقي بالنسبة للفتاة وأخلاقي بالنسبة للشباب!
التناقض الغريب الذي آراه على أرض الواقع أن مفهوم "التغرب مقبول" ولكن الاستقلال غير مقبول مع أن ما يحدث في الاثنين واحد، ففي حالة التغرب يكون الشاب أو الفتاة بعيدين عن المنزل لأن جامعتهم أو مكان عملهم بعيد عن مكان سكنهم أو في مدينة أخرى فينفصلون على أهلهم ليكونوا على مقربة من قضاء مصالحهم وهذا أمر قد يتجاوز سنوات، وعلى النقيض نجد أن فكرة الاستقلال نفسها مرفوضة! هل الأمر كله متمحور حول إيجاد مبرر مقبول مجتمعي للأمر كما لو أنه جريمة لا بد من وجود دافع قوي لها!!
لا أعرف كيف يمكننا حالياً أن نخاطب جيلنا الذي لا يفهم معنى الحرية والاستقلالية فعلاً، التقاليد والثقافة التي تربى عليها لا أفهم كيف يمكننا تجاوزها كلها، الأب الشرقي غالباً ما يرى نفسه مسؤولًا عن توجيه حياة أبنائه واتخاذ القرارات نيابة عنهم، وهذا ليس للأب الخمسيني وحكر عليه، بل حتى الأباء الشباب العرب، معظمهم يعتقد بذلك حتى ولو لم يقوله، يعتقدون أن هذا التحكم يعكس حبهم وحرصهم على مصلحة أبنائهم لتجنيبهم مشاكل مروا بها، هذه النظرة قد تصطدم برغبة الأبناء في اتخاذ قراراتهم بحرية واستقلاليتهم وهذا مما سيؤدي إلى صراعات وخلافات في النهاية، أنا أعوّل على هذه الصراعات ونجاحها، لا على رغبة الأب وخطة منه في ذلك، بل على مقاومة أبنائنا وفرض وجودهم وثقافتهم دون أن يحددها أحد لهم، لا أب ولا مجتمع.
موضوه مهم رنا، أعتقد أنه يمكن فعل ذلك عن طريق غرس قيّم قوية في الأبناء من أول الطفولة، وإكسابهم معارف قوية في فنون الحياة، ومعرفة الصواب من الخطأ، ثم تشجيع استقلالهم تدريجياً وليس مرة واحدة فهذا سيء.
من الأفضل كذلك أن نمنحهم الاستقلال مصحوباً بمسؤولية وتوضيح للعواقب، كأن نوليهم مسؤولية العمل من سن صغيرة، سيساهم هذا في نضجهم بطريقة مستقلة وصحية.
قد يكون تعليقي أغرب تعليق ولكن لا اريد ذكر أفكار مكررة ذكرتها بقية التعليقات
وافضل التنويه على أمر مهم.
سمعت مرة من أحد الشيوخ أن صاحب القرآن مهما لعبت به الحياة يمنة ويسرة فإنه يعود للطريق الصحيح دائما.
علموا أبناءكم القرآن، والقرآن يعلمهم كل شيء، ويحفظهم من كل زيغ وانحرف.
لوكان لي ابن/ة حرست على تربيته تربية سليمة وعلمته القرآن، سأكون واثقا به لان مهمتي تنتهي هنا (التربية الصحيحة)، واكتفي بعدها بالدعاء له والسؤال عن اوضاعه وحاله مع القرآن من حين لآخر من باب المراقبة العامة دون ضغط.
التعليقات