التلاعب بالعقول Gaslighting| كيف يستطيع شخص التلاعب بعقل شخص آخر إلى درجة تشكيله وفق ما يرغب؟

مصطلح "Gaslighting" كلّه على ما أعتقد أتى من مسرحية أعداد إحياء هذا المصطلح المخرج الشهير هيتشكوك، حين قام ألفريد هيتشوك بتعديله لاحقاً إلى فيلم Gaslight حيث يحاول رجل إقناع زوجته بأنها في حالة جنون حتى يتمكن من سرقتها! الفيلم كلّه مبني على هذه الأداة القوية، قدرتنا البشرية على التلاعب بعقول الأخرين، يومها في الفيلم قام بإشعال الأضواء في السقيفة أو العليّة للبحث عن مجموعة مجوهراتها وخفتت أضواء الغاز في الطابق السفلي، أخبرها أن كل ذلك في مخيلتها وأنّ الحقيقة منافية للواقع وتدريجياً تبدأ في التشكيك في ذكرياتها وتصوراتها وهذا بالضبط ما يقوم به أي شخص متلاعب مع الأخرين، إنه يغيّر نظرتنا للواقع في محاولة لدفعنا حتى نأخذ سلوك معيّن يرضى عنه المتلاعب، قد يكون القرار حرّاً فعلاً من الناحية الظاهرية، ولكن تحت تأثير التلاعب وتبديل صورة الواقع من المُتلاعِب!

ما ورد في مساهمتك هي أوصاف تشابهت مع ملامح ثابتة للشخصية النرجسية التي تتظاهر بالود والاهتمام بالأخر لكن الغاية الكبرى له هو نفسه، الشخصية النرجسية تميل إلى رؤية الذات بشكل مفرط وتضع نفسها في مركز الاهتمام، وغالباً ما تقوم بتحميل اللوم على الآخرين دون تقبل المسؤولية، تتلاعب بالأخر ليصل إلى مرحلة تأنيب الضمير وطلب الغفران رغم أنه صاحب الحق، مررنا في حياتنا بالعديد من أمثال هؤلاء الأشخاص، ولعل أبرز مثال لمبدأ التلاعب بالعقول ما حصل فترة الاستعمار الغربي للدول العالم الثالث مثلا بعد إقناع الشعوب باحضار التنمية والتطوير للبلدان النامية.

في الحياة المجتمعية يعرف المتلاعب بالمحتال أيضا ويقوم بألاعبيه في فترة وجيزة وسريعة حتى يستطيع السيطرة على الضحية قبل محاولة إدراك ما يدور حولها.

 كيف يمكن للgaslighting أن يكون أداة قوية في تعاملاتنا مع البشر، وهل هناك فكرة لتحويله إلى أداة إيجابية في الإطار الأخلاقي؟

نحن نتعرض لها التلاعب بشكل أو بآخر من خلال الإعلام والسياسيين وحتى المسوّقين، أعتقد أنه يبدو لذيذاً بالنسبة لهم خاصة نظراً لكمّ الربح الذي سيجنونه منه !

ولكن على الأقل فيما يخص هذه الثلاثة، فأعتقد أنه ليس من الصعب أن نكتشف أنه يتم التلاعب بنا من خلالها، ولكن الأصعب هو أن يتم هذا التلاعب من جهة أشخاص مقربين منّا، وهنا قد يكون من الصعب علينا تمييزه بالأخص إذا كان الشخص المتلاعب هو شخص نثق به بشكل كبير وأيضاً في حالة انه كان موهوباً فيما يقوم به.

نظراً للطرق السابق ذكرها فهي طرق لا تبدو أخلاقية فكيف نستخدمها لتحقيق نتائج أخلاقية، تبدو معادلة مختلة .. ولكن خطر ببالي إمكانية إستخدامها مثلاً مع السجناء أو المتهمين، لدفعهم نحو الإعتراف أو إحسان التصرف، هذا لا يجعل منها طرقاً أخلاقية ولكنها بالطبع أفضل من التعذيب.

ذكرني ذلك بمشهد شاهدته بالأمس كانت تحاول فيه الشخصية إجبار عدد من الصديقات بالإعتراف بجريمة هم لم يقوموا بها، واستخدمت حيلاً من هذا النوع جعلتهم يتبنون آراء واتهامات مختلفة حتى استطاعت الوصول إلى مرادها في النهاية.

لو أن هنالك استخدام إيجابي سيكون برأي هو محاولة مساعدة كبار السن الذين يصابون بمشاكل في الذاكرة وأعتقد أننا نفعل هذا بالفعل فنحن لا نصدمهم ونقول لهم أن الذي تقولونه لم يحدث أو هذه ذكرى خاطئة بل نتقبل منهم ما يقولون وعليه نقوم بدورنا بمحاولة سرد حقائق لم تحدث فقط لمساعدتهم للشعور بشكل أفضل، وليس كبار السن فقط نحن نستعملها مع الأطفال أيضا في مراحل عمرية معينة حينما نخبرهم عن الحياة والموت وغيرها. أما دون ذلك فهي مضرة ومؤذية إلى أبعد الحدود وفي الفيلم الذي يحمل نفس اسم المشاركة رأيت هذا، كيف يتم تدمير شخص ما بسهولة عن طريق التلاعب بعقله وأيضا في التاريخ الحربي نجد العديد من الجيوش لديها حيل مشابه لتدمير الشخص عن طريق التلاعب والضغط على عقله وتزيف وخلط الحقائق.

في رأيي الشخصي أن طريقة التلاعب تلك قد تُمارس بدون وعي من الشخص القائم بها نفسه، بطبيعة الحال.. نحن لا نؤثر بالقول ولكن بالأفعال، فالشخص المنبطح فكريًا لا يقول أنا منبطح، وإنما يمارس هذا الانبطاح في أفعاله وألفاظه، والإنسان الخائف يلتمس الأمان عند غيره، أما المتشائم فيذهب إلى رفض الفرص والرد على المحفزات بالسخرية والرفض، وكل هذه السلوكيات معدية لأننا - مالم نقيِّم هذه الأفعال - فمن السهل أن تصبح بحوزتنا، وأن نتجه إليها بأنفسنا، ولذلك أجد أنه من المهم اختيار من نجلس معهم وتقييمهم، فغالبًا ما يكونون ضحايا لتلاعب يحدث من داخل ذواتهم، ثم يتسلل إلى الخارج بالطريقة نفسها.

أما عن تحويله إلى طريقةٍ إيجابية، فأرى أننا بهذا الأسلوب نطرح نتاجًا إنسانيًا شبيهًا بالأمير وسيكولوجية الجماهير واكتشاف الذرة، فجميعها جاءت لتعزيز الحياة الإنسانية بما هو أفضل، لكن الأشرار من الناس كانوا هم أكبر المستفيدين منها، إذ سارعوا نحوها وطبقوا أساليبها لخدمة نفوسهم التواقة للأذى واستغلال الغير ونسفه.