من الصعب أن تجد حاليًا منشورات في تويتر وفيسبوك ليس لها علاقة بالأخبار الحديثة، وبدرجة أقل الميمات المُضحكة.

حينها يخطر على البال خاطر، هذه المنصّات تطلبُ منّا المشاركة والتفاعل، لكنّها لا تتعلَّق بالتفكير، بل بردود الفعل، ردود مشحونة عاطفيًا بشكل ينسجم مع رواج المنصّة.

حينما أكتبُ هنا في حسوب، أنا أنشئ الموضوع من العدم، أنا أفكِّر، نادرًا ما تكون المنشورات ردودًا للأفعال، الأمر مختلف على تلك المنصّات.

الحفاوة المُبالغة فيها بالأحداث وردود الفعل على مواقع التواصل، أنشأت لنا بيئة تشجِّع الآراء المشحونة، وتنفِّر الناس من التفكير العميق، بل تكاد تكون البيئة عدائية للتفكير.

بصراحة، أنا لا أشارك أي رابط من روابط منشوراتي على حسابي على الفيسبوك، أشعرُ أنّي خسرتُ جمهوري هناك منذ زمن طويل، ولا أعتقد أنّ ما سأنشره سيكون مهمًا لهم.

من يستعمل إنستغرام، سيشاهد مدى الصعوبة التي تواجهه وهو يحاول أن ينشر منشورات تثقيفية للناس، أو يضعها بشكل ستوريات. البيئة عدائية للتفكير، رغم أنّ الإنستغرام يميل إلى إبراز الأحداث الشخصية أكثر من العالمية، لكنّه مثال ينسجم مع قصتنا.

هذه البيئة العدائية للتفكير، تجعل المستخدمين يفكّرون بالحاضر فقط. تخيّل أنّ هناك شخصان جالسان على الرصيف، وليس لهما شأن يهتمّان به، ماذا سيفعلان؟ سيتحدّثان بالرائح والصادر، سيتحدّثان فيمن يمرُّ أمامها من الناس، أسلوب "ردود الأفعال" المشابه في مواقع التواصل الاجتماعي.

كل هذه الأمور تجعل مستعمل هذه المواقع يواجه صعوبة في التفكير العميق، التفكُّر بالقرارات، والاستجابة بمشاعر عقلانية للأحداث الجديدة.

شبكات التواصل سوَّقت لبيئة تعتمد على ردود الأفعال لدرجة حرمت الناس من التفكير، وبشكل يشجِّع على استعمال العاطفة في كثير من الاستجابات.

يخشى أولو الألباب من "فيض المعلومات" عندما يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ الخشية الأكبر على هذا الناس، هي أنّهم يعانون من "فيض المشاعر" بشكل مستمر.

مواقع التواصل لا تدعونا لأن نبتعد عن الأحداث، ولا تحثّنا على أن نكون صامتين، محكّمين المنطق والتجربة على ما نراه، ببساطة الموقع يُخبرك "اشعر بهذا الحدث" وأنت ستقول له: "لأي درجة؟" بدلًا من أن تقول له "لماذا، هل هو مهم؟"