كما أن الكتاب يُصابون بسدة الكتابة، حيث يكونون غير قادرين على كتابة شيء ما بأي صورة، فإن القراء يُصابون كذلك بسدة القراءة.

فالقارئ يجد نفسه غير قادر على قراءة شيء، أو الاستمتاع بقراءة كتاب ما، يفتح الصفحات يحاول أن يقرأ فيجد نفسه فاترًا غير شغوف بما يقرأ. ربما يردد لسانه الكلمات في حين أن عقله مسافر لمكان آخر بعيد. يغلق الكتاب سريعًا هاربًا من شيء كان يومًا أحب ما في الكون إلى قلبه.

كل القراء تقريبًا أصيبوا بهذه الحالة ولو لمرة في تاريخهم مع القراءة. فينصب تفكير الواحد منهم حول كيفية انهاء هذه الحالة سريعًا، وتجنب الإصابة بها من جديد. وفي هذا الصدد أقول ... 

القراءة بداية ليست هواية يفعلها من يحبها، ويتجنبها من له هواية أخرى. هي ضرورة بحتة في هذا الزمان، بل وفي كل زمان. فالإنسان أن كان يريد تطورًا في مجال ما فعليه أن يقرأ ويبحث ويتعلم حتى يصل إلى التطور المطلوب. وهذا ينطبق على كل المجالات بلا استثناء، حتى التافه من المجالات يتطلب قراءة وبحثًا وتعلمًا. 

هذه هي النقطة الأولى التي يجب على القارئ أن يؤمن بها، فتصبح بديهية من بديهيات العقل الباطن لديه فلا جدال فيها أو شك واحتمال. تأتي بعد هذا نقطة أخرى غاية في الأهمية، وهي الإجابة عن سؤال لماذا تقرأ؟ 

إن لكل إنسان إجابة خاصة به عن هذا السؤال، فلا تتشابه إجابة شخصان عليه بتاتًا، ولا توجد إجابة موحدة، أو صحيحة وأخرى خاطئة. أنا أقرأ لأني أحب المعرفة والوعي، والقراءة هي أحد الوسائل التي توفر لي هذا، بل وهي أهم وسيلة. صديقتي تقرأ لأنها تريد الاستفادة من وقتها في شيء مفيد. رئيسي في العمل يقرأ لأن هذا احد متطلبات وظيفته. رئيسي الآخر يقرأ لأنه يحب القراءة ويستمتع بصحبتها. العقاد قرأ لأنه يملك حياة واحدة في حين أن القراءة تعطيه آلاف الحيوات. 

أسباب لا آخر لها ستسمعها من كل قارئ. لذا فالقارئ يحتاج إلى معرفة السبب الذي يدفعه إلى القراءة من الأساس، هذا يساعد على جعل الرؤية واضحة بالنسبة إليه، مما يجعل وجهته معروفة بالنسبة إلى ذاته. 

 النقطة الثالثة والغاية في الأهمية هي أن تُدرك بأن الجسد والعقل يحتاجان إلى الراحة والسكون والاستمتاع من حين لآخر، فلا يجوز أن تكون كل قراءاتك على الدوام كتب ومجلدات وقواميس علمية وفكرية وتاريخية على الدوام، ستمل تدريجيًا وتشعر بأنك في حاجة لوقف هذا السيل والتدفق الهائل من المعلومات. افصل بين قراءاتك بشيء خفيف يُعطيك بعض الاستمتاع والمتعة. رواية بسيطة، نص شعري، قصص قصيرة، كتب أو مقالات ساخرة. كل هذا كفيل بتجديد نشاطك، وحيويتك وقابليتك للقراءة المتعمقة.

أيضًا ربط وقت القراءة بشيء أو نشاط محبب وممتع إلى القلب يُساعد على جعل الأمر أكثر امتاعًا، وجذبًا إليك. كاحتساء مشروب مفضل، القراءة في مكان تحبه، أو أجواء تفضلها. كأن تقرأ في النادي القريب من بيتكم لأنك تحبه، كأن تحتسي القهوة، أو المانجو أثناء القراءة لأنك تحبه، كأن تقرأ وسط الحقول الهادئة، أثناء السفر. على سريرك وسط الأضواء الخافتة والهواء المنعش والرائحة الذاكية ... الخ. هذا حقًا سيُفيد ويجعل وقت القراءة ساحرًا وشاعريًا بصورة لا تُتخيل. 

أحد الوسائل الناجحة أيضًا في جعل القراءة عامة ممتعة ومثمرة، ولا تُمل النقاشات حول ما نقرأ، سواء في نوادي القراءة على أرض الواقع، أو على وسائل التواصل الاجتماعي. النقاشات عامة تساعد على تثبيت ما تقرأ في ذاكرتك وخلايا عقلك، مما يجعلك تستوعب بشكل أفضل، وتشعر بأنك خرجت من الكتاب بفائدة عظيمة. فيزيد حماسك لتكرار الأمر مع كتاب آخر. 

التلخيص كذلك ربما يؤدي نفس الغرض، إضافة إلى الاستماع لمختصرات الكتب، أو الكتب الصوتية. كل هذا كفيل بجعل القراءة مفيدة، ممتعة، لا تُمل. 

أخيرًا إن تخير الوقت المناسب للقراءة هو نقطة في غاية الأهمية، فلا يُمكن أن تحب القراءة وتستمتع بها إن كنت في حاجة ماسة للنوم، أو عليك من الضغوطات في العمل ما لا يُطاق. أو وصت زحام شديد، أو ضجة عالية، بالطبع ستشعر بالغضب وأن تقرأ، ولن تستطيع التركيز وتكره الوقت الذي قرأت فيه من الأساس. 

الآن سيسألني سائل «جميل ما قلتيه، ولكن لم تُجيبي بعد كيف نتغلب على سدة القراءة عندما تُصيبنا؟»

صديقي ... إن كل ما ذكرته في الأعلى كفيل بإبعاد سدة القراءة عنك بلا ريب. ولكن لأجيبك احتياطيًا لربما أصابتك يومًا ما ... 

إن شعرنا بسدة القراءة فمن المفترض أن نحاول تغيير روتيننا مع القراءة، كأن نغير الوقت، المكان، كأن نضيف بعض اللمسات التي نغير من المكان الذي ستقرأ فيه مما يُضفي بعض الجمال والراحة. وقبل كل هذا يجب أن نكون حريصين على تخير كتاب خفيف مرح، يجذبنا للمتابعة لا التوقف. وحبذا لو كان كتابًا نعشقه، ونستمتع بقراءته، فلا نمل. كأن نقرأ رواية رومانسية قديمة قرأناها في السابق وأحببناها بلا ريب، ونشعر بأنها ستُمتعنا بلا ريب مرة أخرى. 

أخيرًا إن أصابتنا سدة القراءة فنتذكر السبب الذي يدفعنا للقراءة من الأساس، الرؤية التي نطلع إليها، ثم نجبر أنفسنا على قراءة ولو صفحة لا يُهم. المهم أن لا نستجيب لتلك السدة ونتوقف عن القراءة، حتى لا نجد أنفسنا يومًا ما قد ابتعدنا تمامًا وما عدنا قادرين على العودة من جديد. 

والآن أخبرني ... هل أساليبي تساعد على التخلص من هذه المعضلة؟ وكيف من رأيك يُمكن التخلص منها؟ يعني اقترح علينا أساليب أخرى لم أذكرها أنا لتوسعة الفائدة أكثر؟