من فترة طويلة طلب مني العمل على تأليف قصص قصيرة للأطفال وبعد تفكير طويل وتجربة كتابة قصة اعتذرت عن العمل، لأنني وجدت الأمر في غاية الصعوبة وكأن هنالك أكثر من رقيب يقف على رأسي ويقول لي "لا تكتب هذه الكلمة ولا تستعمل هذه الصيغة، وهذه الفكرة غير مناسبة وألف لا في لحظة واحدة." وتذكرت ما صرح به أحمد خالد توفيق عدة مرات عن لماذا ترك الكتابة للناشئة بأنه يشعر دائما أنه مقيد بشيء ما سواء أخلاقي من حيث الفكرة المطروحة أو حتى مقيد بكلمات معينة محظور عليه استخدامها لأنها ربما تؤثر سلبا على وعي الناشئين، ولو سألت نفسك ما هي الصعوبات في الكتابة للطفل؟ للوهلة الأولى قد تبدو سهلة وبسيطة خاصة لو فكرنا في مدى سذاجة العديد من القصص سواء التي قرأناها ونحن أطفال أو سمعناها ولكن تجربة الكتابة نفسها للطفل والناشئة كانت أصعب مما أتخيل حتى، فبرأيكم كيف نتغلب على الصعوبات التي يواجهها مؤلفو كتب الأطفال والناشئة؟
كيف نتغلب على الصعوبات التي يواجهها مؤلفو كتب الأطفال والناشئة؟
من وجهة نظري أعتقد أن قرآة الأعمال الجيدة بشكل مستمر وكتابتها بشكل مستمر أيضا سيغير من إسلوب كتابتك وإختيارك للألفاظ والمواضيع، فقط تمرس على نوع جيداً فلنقل أن فلاناً كاتب متميز فى هذا النوع من الكتابات ومواضيعه من أفضل المواضيع، فإن كنت فى أعمال سابقة بعيدة كل البعد عن هذا النوع وتريد أن تتعلم كيف تكتب هذا النوع فقط تمرس هذا النوع من خلال التقليد الأعمى لمدة ومن ثم أبدع لا يأتى هذا الإسلوب حتى تقلد فأشهر وأنجح الأعمال هى مقلدة ومعادة صياغتها من مجموعة كتب سابقة وصيغت بطريقة إبداعية، فالصعوبة فى البداية تكمن فى إختيار كاتب ناجح فى هذا النوع وبمواضيع جيده وألفاظ منتقاه بعناية وحرص فقط، ومن ثم تقرأ كل يوم على سبيل المثال 10 صفح وتكتبهم (لما الكتابة لأن الكتابة هي ماستملي عليك الإسلوب الخاص بالكاتب على عكس القرأة التى ستملي عليك الأفكار والمواضيع) فقط تمرس لمدة عام بهذا الإسلوب الأكثر من رائع التي يستخدمه كُتَّاب الإعلانات المبتدئين فى كتابة سيناريوهاتهم الإعلانية حتى يتعلموا الإسلوب فى تأليف السيناريو الإعلاني أو ما يسموه بال Copywriters، وهذه نصيحة محترفى كتابة تالسيناريوهات للمبتدئين أكثر من القرأة فى هذا النوع وكتابة ما قرأت بشكل يومي. وناقشنى فى مسألة التقليد هل توافقنى الرأي فيها؟!
وناقشنى فى مسألة التقليد هل توافقنى الرأي فيها؟!
مسألة التقليد ما دامت في البداية وللتعلم كما أسلفت بالفعل هذه التقنية موجودة تحديدا عند كتابة السيناريو وبعض المحاضرين في الجامعات حتى ينصحون بها عند كتابة الأبحاث العلمية بأن يحاول الطالب التقليد، ولكن في نقطة الابداع والكتابة للطفل أو الناشئة هنالك معايير تحجم الكاتب وأهمها عامل اللغة نفسه من اختيار كلمات سهلة وبسيطة وواضحة بالإضافة إلى المواضيع نفسها فأنت تخاطب سن صغير تلتصق الأشياء بعقله، فكيف يوازن الكاتب على الحفاظ على الابداع والتحكم في الرقيب على نفسه؟
أدب الطفل يلقى استخفافًا في عالمنا العربي، وهذا واضح في كثير من الإنتاجات السطحية التي لا تخدم طفل اليوم، وأقترح أن من أفضل الوسائل المعينة لمؤلفي أدب الطفل حتى يتجنبوا تلك الإنتاجات الركيكة هو أن يكونوا مطلعين على تربويات الطفل وعلم نفس الطفل.
هو أن يكونوا مطلعين على تربويات الطفل وعلم نفس الطفل.
بجانب ذلك، يجب أن يكون لديه فهم للفئة العمرية التي يكتب لها، ما هي اهتماماتها وما هي تفضيلاتها، واحتياجاتها، لكي يتمكن الكاتب من تحديد اللغة المناسبة والأفكار التي يجب التركيز عليها، وهذا مهم جدا
حتى يتجنبوا تلك الإنتاجات الركيكة هو أن يكونوا مطلعين على تربويات الطفل وعلم نفس الطفل
هذا اقتراح جيد بجانب القراءة والتعمق في أدب الطفل والحكايات الخرافية بالتحديد أتذكر منها مثلا حكايات الأخوين جريم بالإضافة على الاطلاع على كتب كامل الكيلاني، ولكن كيف نتغلب على الرقيب الذي فوق رأسنا؟ وما هي ترشيحاتك لمدخل لقراءة في علم نفس الطفل؟
إن كتبت في الدين فهناك الرقيب، وفي العلوم فهناك رقيب أخلاقي، وفي الصحة رقيب قانوني، وفي أدب الأطفال؛ المثالية رقيب.
دائما لا بد من رقيب كي لا يُترك الحبل على الغارب، فلا أراها مشكلة يجب أن تؤرق الكاتب، وأرى أن الدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله كانت له أفكار أكبر يود أن يناقشها بحرية بعيدا عن المثالية التي يجب أن نزرعها في النشء.
وفي كل الأحوال، يجب أن يمر أدب الأطفال بالتحديد على أكثر من مُراجع، فقد يلحظ أحدهم ما فات على سابقه من عيب أو ما قد يكون له تأثير سلبي ولو من بعيد.
في كل الأحوال، يجب أن يمر أدب الأطفال بالتحديد على أكثر من مُراجع، فقد يلحظ أحدهم ما فات على سابقه من عيب أو ما قد يكون له تأثير سلبي ولو من بعيد.
أذا ترى كما أرى تقريبا ان أدب الطفل صعبا ربما يكون اصعب من الكتابة للكبار، ولكنك أشرت إلى أن مشكلة الرقيب لن تؤرق الكاتب فكيف هذا؟ أليست الرقابة بشكل من الأشكال تحد من العملية الابداعية؟
أرى مثل تلك الرقابة مثل حوارنا هذا، يجب أن نلتزم في الحديث بنقطة محددة بأبعادها دون تشعب، وهذا من المفترض ألا يمنع التفكير والإبداع. فالسيطرة على النفس وأهوائها يدخل أيضًا في السياق الذي قد يُفهم أنه نوع من الرقابة، فإذا تركت نفسي أحادثك بلا رقيب فقد ينتقل حوارنا لموضوع آخر، مثلًا أن نتحدث عن طرق توليد الأفكار وتطوير المهارات وخلافه، وننسى النقطة التي نناقشها.
بوجهة نظري لا ارى هذا تشعب وبعد عن الموضوع الرئيسي لأن الرقابة في العملية الابداعية في كثير من الأحيان تحد من الابداع نفسه، وبالتالي لو تغلب مؤلف كتب الاطفال على هذه الرقابة بطريقة أو بأخرى سيتمكن من الكتابة، أما لو فكر فيها بأنه لا يمكن المساس بها وعدم مواجهتها أو فهمها على الأقل فلن يستطيع الكتابة للأطفال وهذا يأخذنا لقرار أحمد خالد توفيق بعد وقت للتخلي على فكرة الكتابة للناشئة لأنها وصل لمرحلة أنه لا يمكنهم التغلب على الرقابة بعد الأن.
هذه نصحيه خارج الصندوق على رغم بساطتها، فالمشاهدة نفسها فيما يسمى التغذي بصريا من الأشياء التي يفعلها أغلب المبدعين في حالة تقديم شيء مختلف وبالنظر إلى الكتابة للطفل أو الناشئة أعتقد أن مشاهدتك لأكثر من محتوى عن الطفل سواء من مختص أو حتى متابعة أعمال كارتونية تخص الأطفال ستزيدك من الدخول لمعرفة متطلبات الطفل في المرحلة التي تريد الكتابة فيها.
لو كنت مكانك لأطلقت العنان لخيالي وأبدعت، أعتقد أنه كان بإمكانك ألا تلقي بالًا لتلك الأفكار وأن تستدعي الطفل الذي بداخلك وحسب. لكن على كل حال أحترم فكرة تخليك عن العمل لأنك رأيت أنك لست مؤهلًا له.
وبرأيي أن أدب الطفل لا يمكن أن يتمرسه إلا طفل، ولهذا على الكاتب أن يتقمص دور الطفل ويفكر بعقليته الصغيرة غير المتحملة لأي مسؤولية بالحياة والتي لا تهتم إلا لألعابها. يعني لو كان بطل القصة طفلًا شقيًا، فماذا كان ليفعل في ذلك الموقف؟
لو كان طفلًا مهذبًا، ماذا كان ليقول هنا؟ وفي كل شخصية طفل هو يتقمص دورها فقط.
أعتقد أنه كان بإمكانك ألا تلقي بالًا لتلك الأفكار وأنتستدعي الطفل الذي بداخلك وحسب. لكن على كل حال أحترم فكرة تخليك عن العمل لأنك رأيت أنك لست مؤهلًا له.
حاولت لأكثر من مرة الكتابة ولكن لم يروقني ما توصلت إليه فالطفل الذي بداخلي على الرغم من المتعة والخيال الذي كنت فيه ولكني كنت أفكر كثيرا في أشياء وقضايا كبيرة حتى كان محرما علي طرح أسئلتي عن الوجود وخلافه فلو أطلقت العنان لكتابة قصص للأطفال بالاعتماد على هذا الطفل العنيد بداخلي لما لاقت استحسان عند طالب العمل.
يعني لو كان بطل القصة طفلًا شقيًا، فماذا كان ليفعل في ذلك الموقف؟
هذا ما فكرت فيه وهي طريقة ماذا لو؟ ولكن التقييد بالأفكار التقليدية هو ما وجدتني غير بارع فيه وخاصة أن تحمل مسؤولية الكتابة للطفل ليست سهلة، ولكن طرحك في الأسئلة واطلاق العنان للطفل له دور فعال ولكني ارى أنه في بعض الأحيان علينا التخلي عن بعض قناعتنا وبشكل واضح عن عقلانيتنا لو كتبنا للطفل والاعتماد على الخيال ومحاولة مقاربته للواقع.
أعتقد أن الكتابة للأطفال ليست بهذه الصعوبة إذا أخذت وقتك في الدراسة والتحضير، ولا شك أن لديك أطفال في عائلتك تراهم باستمرار، فلما لا تجرب أن تكتب وتقص عليهم بعض مما كتبت لترى ردود أفعالهم، وكيف استقبلوا الفكرة وعالجوها؟ إذا وجدت أنهم أساؤوا الفهم أو الحكم ستتمكن من تصحيحه لهم وستفهم ما المشكلة أو الخطأ الذي طرأ على أسلوبك أو فكرتك وجعلهم يسيئون فهم الفكرة أو العبرة التي تريد تقديمها لهم، ويمكن أيضا بشكل مبدأي أن تتحدث معهم عن المواضيع التي تريد تقديمها في قصتك، لتعرف خلفيتهم عنها وما الحدود التي يقفون عندها فيها، وأيضا يمكنك استلهام أفكار لقصصك من خلال المواقف التي تشهد بنفسك تعرض الأطفال لها، مثلا لا بد وأنك رأيت في مرة طفل يتعارك مع أخيه بسبب لعبة، فيمكنك تشكيل قصة بأكملها تناقش فيها ذلك الموقف لتعلمهم في النهاية قيم المشاركة والتعاون. ببساطة خير دليلك لعالم الأطفال هم الأطفال أنفسهم، إذا فهمتهم ستعرف كيف تكتب لهم بدون أي خوف.
ببساطة خير دليلك لعالم الأطفال هم الأطفال أنفسهم، إذا فهمتهم ستعرف كيف تكتب لهم بدون أي خوف.
أعتقد بصراحة أن الكتابة للطفل ليست سهلة على الإطلاق وأنها ليست لكل الأشخاص فمهما كنت محبا للأطفال وتتعامل معهم بطرية جيدة ومبدعة كما افعل مع الأطفال في العائلة، ولكن كتابة القصة نفسها ستكون جادة مهما حاولت التقمص، أتذكر في هذا أن هنالك قصة اطفال مصورة بقلم غسان كنفاني وحاول غسان بكل ما يملك أن يكتب للطفل ولكن القصة كانت ذات وقع قوي ومحاولته لاستحضار الطفل ارتبطت بشخصيته فلم يستطع أن يتغلب على العقلانية والثورة في كتابته، ألا ترين أن بعض الكتاب لا يمكنهم الكتابة للطفل؟
التعليقات