جرت العادة - الحميدة - أن الكل في نهاية العام، شهر ديسمبر، ينظر الى ما قدّمت يداه طوال العام .. نجاحاته تصرّفاته أزماته مشاكله ، وحتى طرق التفكير التي قادته الى هذه المرحلة.

الكل يتعلم الجديد طوال الوقت. قد تتعلم أنت دروساً مهمة في حياتك، اعتبرها أنا بديهيات.. وقد أخبرك ببعض الأمور التي تعلمتها أيضاً ، تعتبرها انت هراء محض .. والعكس..

اتمنى ان يشهد هذا المجتمع، خلال شهر ديسمبر مراجعات شخصية لكل عضو هنا، يحكي فيها أهم ماتعلّمه أو رصده أو لاحظه بشكل جديد في حياته، خلال الـ 12 شهراً الماضية.

=====

السياسة فعلاً نجاسة ..

خلال فترة طويلة كان لديّ الاهتمام برصد الجديد الدائر على الساحة السياسية في العالم ، في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا وكل مكان، وأدخل في مناقشات مطوّلة مرهقة لا تتوقف .. في هذا العام تحديداً 2016 ، أدركت الحقيقة متأخراً : ان هذا المجال تحديداً هو أقذر ما يمكنك الحديث فيه مع الآخرين، والتي ينتج من وراءها قدر هائل من التباغض والحكم على الآخرين.

أعرف - شخصياً - أناس شديدو العقل والنجاح في حياتهم، يقومون بتصنيف الآخرين بناءً على توجهاتهم السياسية لا اكثر.. فلان اخوانجي ، فلان سلفي ، فلان ليبرالي ، فلان علماني ، فلان يساري .. كأنها كروت نضعها فوق رؤوسنا ، ونبني عليها معاملاتنا مع بعضنا البعض. وليس مجرّد توجهات فكرية تتطور بمرور الوقت.

السياسة تجعلك تصنّف الناس وفقاً لفهمك المركزي لا أكثر .. سيتحوّلون في عينك الى مجموعة من الأبقار ، تصنّفهم وفقاً لهواك ، وليس وفقاً لمنظور إنساني طبيعي ..

======

منطق ( مازال لديّ عمر طويل لأقوم بإنجازات أكثر ) ، هو أفشل منطق يمكن أن يدور في عقلك وعقلي، مهما كانت فئاتنا العمريّة..

أسمهان - أعظم صوت غنائي عربي على الإطلاق في رأيي - ، ماتت في سن الـ 31 ، وهي في أبرز محطة من محطاتها التي تبدو صفحة النجاح امامها واضحة تماماً. بينما ( أم كلثوم ) عاشت لما فوق السبعين تقريباً ..

لولا بعض الأعمال التي تركتها أسمهان في سنّ مبكّرة ، لم نكن لنعرف بوجودها ولا بموهبتها ، ولم نكن لنحترمها حتى لو كان نصيبها من الدنيا أقل من نصف الزمن الذي عاشته ام كلثوم.

وجبة عشاء ثقيلة قد تكون السبب في أزمة قلبية تنهي حياتك، في الوقت الذي تتصوّر فيه انك تعيش أعظم انجازاتك.. مرورك للشارع في يوم هادئ ، قد يكون لحظتك الأخيرة ، في الوقت الذي تتصوّر فيه أنك عقدت تحالفاً مع القدر / الحظ ( بحسب طريقة تفكيرك ) ، تجعل امامك المزيد من الوقت للنجاح ..

أو - وهذا هو الأسوأ - أن تتصوّر أن امامك الكثير من الوقت للنجاح لاحقاً .. وتقضي حياتك الحالية في الحديث مع الفتيات ، أو متابعة برنامج The Voice ، أو افتراش المقاهي كفريضة يومية مقدّسة.

====

التغيير هو العنصر الأهم في كل شيء في الحياة، حتى لو كرهته ..

أن تقوم بتغيير طريقة تفكيــرك ، تغير طريقة عملك ، تغيّر أولوياتك ، تغير ديكور غرفتك ، تغيّــر شكلك ، تغير سلوكياتك ، تغيّــر لغتك .. تغيّــر وظيفتك حتى ..

التغيير هنا لا يعني التغيير وفقط ، بقدر ما يعني ( التغيير في طريق التطوّر ) .. أن تبدأ في محطّات جديدة، وتحديات جديدة، وطريقة حياة جديدة، ومفاتيح جديدة .. حتى لو كانت طريقة حياتك السابقة مريحة أو في نطاق الـ Comfort Zone ..

ربما هذا الدرس من أهم الدروس التي تعلمتها هذا العام.. بشكل عام، لم أكن أبداً الشخص الذي يُنظّـر لثقافة التغيير ، كوني اميل الى التغيير البطئ جداً ( وهذه استراتيجية تنجح كثيراً في امور عديدة ، خصوصاً المجال الوظيفي ) ..

لكن التغييرات الثورية الى الافضل تجلب معها الحياة.. الحياة أصلاً تكمن في التغيير وليس في الاستقرار .. بدءً من التغيير في نوعية الافلام التي تشاهدها ، طبيعة تفكيرك في الكون ، مروراً بنوعية الملابس، وليس انتهاء بالوظيفة أو المشروع أو المنزل أو حتى أثاث الغرفة.

=====

اعتقد ان مفهوم ( الثقة ) هو رمّانة الميزان في نجاح كل علاقاتك الافقية بالمجتمع ..

عندما تقدم على الزواج، تقدّم الى من ( تثق ) فيها ، لا من تعجبك .. عندما تذهب الى الطبيب ، اذهب الى الطبيب التي تثق في كفاءته ، لا لمن له شهرة واسعة .. عندما تسعى لتأسيس شركة، قم بمشاركة من تثق في قدراته وأمانته، لا لمن يبدو عليه الاحترافية فقط ..

هذا المبدأ ثقيل جداً ، ويحتاج منك الى تجربة لتفهم معانيه ، وليس أمراً عادياً في رأيي .. مبدأ الثقة هو أهم شيء في العلاقات الاجتماعية التي يمكنك أن تبني عليها .. ثقة في الكفاءات ، في الاخلاق ، في المعاملات ، في الامانة ، في المهارات .. كل حسب الموقف والظروف.

سيوفّر عليك قدراً هائلاً من الارهاق النفسي والذهني ، ومحطات هائلة من القلق والمراقبة والدهشة والمتابعة، إلخ ..

====

معضلة الحياة الاساسية هي انها ( تبدو ) على غير حقيقتها اغلب الاوقات .. وهذا ما يجعل النقطة السابقة ( الثقة ) تحتاج الى دراسة مكثفة قبل الاطمئنان لها..

كل شيء في الحياة يبدو أن وراءه فرصة هائلة قد يكون وراءه أزمة كبرى .. احداثي ( الزمان / المكان ) الذي تعيشه حالياً ، قد يكون بائساً جداً بالنسبة بسبب ظروفك، ويبدو أن القادم أسوأ .. فتكتشف بمرور الوقت أن القادم لم تكن تتصوّر روعته أبداً ..

والعكس ، قد تعيش كثيراً في واقع مريح .. والمستقبل يبدو واعداً ، بينما الحقيقة أن القادم قطعة كابوسيّة من الألم والمحن والمشاكل ..

كلنا - بلا استثناء - نسير في الظلام .. نحن مجموعة من العميان في كل شيء، بعضنا يأخذ الخطوة بعد ان يتحسس المكان أمامه طويلاً .. وبعضنا يركض للأمام بلا اهتمام .. وبعضنا يتملّكه الخوف فيتوقف تماماً عن عمل اي شيء .. وبعضنا ، بمجرد أن حرك قدمه للامام سقط في مستنقع .. وبعضنا - حتى مع وقوفه في مكانه - التهمته التماسيح.

لا يوجد آلية - على حد علمي - لمواجهة المستقبل ( الحقيقي ) سوى المشي في الظلام - بحرص - والتوكّل على الله .. لأنك لن تتحكم في الجينات التي قد تورثك مرضاً مزمناً بعد عدة سنوات ، أو السياسة التي تجعل الطيران الحربي يحلق فوق رأسك بعد عامين من الآن ، أو في الاقتصاد الذي قد ينهار تماماً..

حالة السير بثنائية ( الدرع والسيف ) في مواجهة القادم - غريزياً - لا أكثر ..

=====

أتمنى أن يشارك كل من وقعت عيناه على هذا الموضوع بدرس تعلمه هذا العام .. ملحوظة لفتت انتباهه .. طريقة معيّنة للتعامل مع الحياة اثبتت نجاحها .. فهم معين .. انقلاب في حياته جعله يكتشف زوايا لم يمرّ بها مسبقاً ..

وأتمنى أن ينتهي هذا العام على خير لنا جميعاً .. مازال هناك شهر يمكن انجاز / تعلم ، الكثير من وراءه ..