تخيلي الدائم عن الأمومة والأبوة هو أنّ ثمة شخصين يقومان بالتضحية بجزء من حياتهما فقط لأجل الأبناء، وأنهما الوحيدان بالعالم اللذان يمنحنانا الحب والرعاية بلا حدود. ولكن هل فكرنا يومًا كيف نرد ولو جزءًا بسيطًا من هذا الجميل؟ هل يكفي أن نوفر لهما الرعاية في كبرهما أم أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك؟ ما هي أفكاركم لرد جميل الوالدين؟
كيف نرد جزءًا من فضل والدينا علينا؟
أرى أن أكثر ما يتطلع إليه الوالدان من أبنائهما هو التقدير والاحترام والرعاية، أخبرك من منظوري كأم أنني اتمني رؤية أطفالي في أحسن حال وان ينعموا بالراحة، لكن كأمنية شخصية أتمنى عندما أكبر أن اراهم مستقلين ماديًا لا ينتظرون دعمي للأبد، كما أتمنى ان اراهم ممتنين لجهودي في تنشئتهم لا ينكرونها بقولهم تفكيرنا، مجهودنا، طموحنا وفقط، ان يدركوا كم تعبنا وسهرنا لراحتهم وتوفير احتياجاتهم. أما عن رد الجميل فالاحترام هو أكبر رد للجميل وما غير ذلك يمكنني تجاوزه وتوفيره لنفسي. هذا ما أحاول فعله لأهلي واتمني الحصول عليه من ابنائي مستقبلًا
اراهم ممتنين لجهودي في تنشئتهم لا ينكرونها بقولهم تفكيرنا، مجهودنا، طموحنا وفقط،
شئنا أم أبينا فلابد من حدوث ذلك ميادة؛ فالشباب وحتى الأطفال يميلون دائما للشعور باستقلالهم الفكري عن الأهل، وذلك يسبق ميلهم للإستقلال المادي بسنوات كثيرة ..
وان كنت أعتقد أنه سلوك طبيعي، حتى أن البعض يعيبون على من يستشير والديه رغم تقدمه بالعمر .. فيتهمونه بانعدام الشخصية!
وعموما أري أن الوسطية والاحترام المتبادل هي الحل الأمثل لتلك المسألة العلاقة
حتى أن البعض يعيبون على من يستشير والديه رغم تقدمه بالعمر .. فيتهمونه بانعدام الشخصية!
ما العلاقة، هل سيعيب علي هؤلاء البعض استشارتي لخبير مالي أو تسويقي عند تفكيري في انشاء شركتي الخاصة مثلاً
هو عرف منتشر بمجتمعاتنا للأسف.. فمثلا كم مرة سمعت مصطلح (إبن أمه) يتم استخدامه لوصف شخص ما لمجرد أنه يستشير والدته ببعض قراراته!
مشكلتي دائماً مع هذه المعلبات الجاهزة والتي يستهويها الكثير نتيجة سهولة التعبير وبراقة اللفظ بعيدا عن دراسة المعنى بموضوعية، ما المشكلة إذا كان والدي أو أحدهما لديه خبرة في الموضوع الذي يؤرقني، وفي حالة مثلا اذا كان هذا الأمر يمس تخصصه الذي يدفع غيري أموالا من أجل مساعدته فيه فهل أكون مخطئاً إذا استغللت هذه المساعدة التي تأتيني مجاناً، وربما يكون لديك قرار مسبق وبعد استشارتهم تتأكد من قرارك إما تأييداً أو أن الصورة اتضحت أكثر وزادت من حججك المنطقية نتيجة طرحم المخالف، ثم في كل ما مضى وغيره تعتبر الاستشارة عاملاً من العوامل التي نعتمد عليها وليست الفيصل الوحيد.
أكثر شيء يخشى منه الكبار هو الشعور بالوحدة، وهذا قاتل جدا بالنسبة لهم، لذا مهم جدًا ألا يكون مفهوم الاستقلالية ينتج عنه أنانية بالتعامل، وأن يكونوا هم أقل أولوية بحياتنا، لأن هذا سيكون مرهق نفسيا جدا، خاصة عندما يكون أحد الأبوين غير موجود والمتبقي أنفق حياته كلها عليهم، وبالتالي يكونوا بأمس الحاجة لتواجدهم الملموس بحياتهم
نعم لكن ألا ترى أن هذا الأمر أحيانًا قد يسبب ضغطًا على الابناء ويمنعهم من مواصلة حياتهم؟ في النهاية ليس ذنبهم أن أهلهم ليس لهم حياة خلقوها خارج دورهم كأب وأم، ولا اتحدث بالطبع عن الدور الطبيعي للأبناء لكن أحيانا يكون التعلق مرضيًا أو مبالغًا فيه فمثلًا رأيت أمهات يمنعن أولادهن من فرص مهمة في السفر قد تغير حياته للأفضل لمجرد أن يبقى بجانبها، أليس من الأصح دعم الأولاد لحياة أفضل؟
أنني اتمني رؤية أطفالي في أحسن حال
أسأل أن يرزقك ذلك، لكن عندي تجربة شخصية في هذا الأمر أحببت أن أشاركها معكم وهي أن كثير من الأباء يكون عنده تصور معين لهذا حال الأحسن إما لاعتقاداته أو خبراته وميوله والأكثر والغالب يكون السبب الأساسي في التشكيل هو ضغط ثقافة المجتمع، لذلك برأيي من الأفضل أن نصرف المجهود الأكبر في التأكد من تصورنا وطلب الأدلة الصحيحة له قبل أن نبذل كل مجهودنا في تربية الأبناء ليحققوا هذا التصور.
أو أن لا نتصور من الأصل ونساعد أبناءنا فقط على أن يكون لديهم العقلية المناسبة لتقرير الأفضل لهم وبناء حياتهم، عندما يكون لديهم الأدوات والدعم الغير مشروط يمكنهم الوصول لكل ما يريدونه.
لدي صديق مثلًا خاب مسعاه في كلية الهندسة -حلم والديه- وقضى فيها وقتًا طويلًا، ولكن بعد ذلك قرر أنه سيسعى وراء حلمه الخاص ومع مرور الوقت أدرك والداه أن ابنهما يمكنه الاعتماد على نفسه في تقرير مصيره فحتى رغم غضبهما عن تركه للجامعة استمرا في دعمه، وهو الآن في مجال جديد مناسب له ويشعر بذاته وكذلك مبدع فيه
ونساعد أبناءنا فقط على أن يكون لديهم العقلية المناسبة لتقرير الأفضل لهم وبناء حياتهم
هذا في حد ذاته تصور!!
ربما اعتراضك بسبب عدم تحرير المصطلح فمصطلح التصورات الذي أقصده هو الأفكار العامة عن الحياة وليس التحكم في تفاصيل رغباتهم واختياراتهم خصوصاً المدروسة منها، فمثلا طفل يقترب من النار يخبره أهله بأن هذا خطر هذا تصور أن النار ممكن تسبب له حرق أو ضرر وهو تصور صحيح، طفل يسقط من يده طعام يخبره أهله لا تأكل شيئاً من الأرض مطلقاً وهذا تصور خاطئ.
هذا في حد ذاته تصور!!
لا اختلف معك. لكن تصور يختلف عن تصور
فهناك تصور يحدد لك الطريق وهناك تصور يعطيك فقط الأدوات لتقرير الطريق ولتقرير الأدوات الأخرى أيضًا التي يمكنك استخدامها
أحدهم يجعلك مقيدًا والأخر حرًا وممتلكًا للقدرة حتى على رفض ما تم اعطاءك إياه. لا يوجد مخرج من التصورات ولكن على الأقل يحاول الأهل ان لا يجعلوا تصوراتهم مقيدة تمامًا للطفل ولمستقبله
أتمنى عندما أكبر أن اراهم مستقلين ماديًا لا ينتظرون دعمي للأبد
كيف ذلك ميادة؟ أنا اعتقادي أن الآباء والأمهات يحبون رؤية أبنائهم دائمًا في حاجة إليهم حتى ولو بقدرٍ بسيط. لا أفهمك في موضوع الاستقلال الكامل عنك هذا. ألن يوجد داخلك جزء يود أن يظل الأبناء بحاجة إليه حتى تشعرين بأهميتك في حياتهم؟
على سبيل المثال، ابنك إذا تزوج وأصبحت زوجته هي من تهتم به وتصنع له الطعام وتوفر كل احتياجاته، ألن تأتي على بالك ولو لمرة واحدة فكرة أنه لم يعد بحاجة إليك؟ ألن تشعري بأنكِ أصبحتِ بلا قيمة في حياة ابنك؟
سأوضح لك رغدة، معظم الشباب حاليًا يصرف عليه اهله ويدعمونه طوال مراحل تعليمه، بعضهم يستمر في طلب الدعم حتى بعد التخرج، الاهل يصرفون، يؤمنون له وظيفة أو يعمل في مهنة العائلة، يجهزون شقته للزواج، يزوجونه، كل ما يحتاجه يجده، هنا تأتي الكارثة عندما يتزوج ينتظر من أهله أن يصرفوا على زوجته وأولاده، بل ويحلون مشاكله مع زوجته ويسهرون على راحة اولاده، ليس من باب الفضل بل الواجب. هل هذا وضع مريح برأيك؟ ثم ما ذنب الزوجة لتحصل على زوج غير مسئول وبدلًا من إعالة والديه فإنهم يعيلونه ويساعدونه في كل صغيرة وكبيرة. تلك ظاهرة منتشرة اراها بكثرة، وإذا فقد الشاب دعم والديه فإن بيته قد ينهار. لا أريد ذلك المستقبل لأولادي أريدهم أقوياء يعتمدون على أنفسهم، أستند إليهم في ضعفي، وينشأون بيتًا صحيًا وأسرة.
نرد جزء من الجميل بالاستمرار في التعبير عن حبنا إليهم سواء بالكلام أو بالفعل طوال حياتنا، وأن نتحدث إليهم ونشاركهم حياتهم بتفاصيلها الدقيقة، ونشتري لهم الهدايا التي تشعرهم بأنهم كانوا ومازالوا داخل قلوبنا وعقولنا، مع تنفيذ كافة رغباتهم وما يحتاجون إليه لتسهيل أمورهم، ولا مانع أيضاً من الخروج للتنزه معهم من وقت لآخر وتذكيرهم بأيامنا معهم وتوجيه الشكر والتقدير لهم على ما قاموا به طوال حياتهم لإسعادنا.
ما فعلوه معنا هوا دورهم أو وظيفتهم وقاموا بها على أكمل شئ يمكن أن يقوموا به، وأنسب رد لهذا الجميل أن نقوم نحن أيضاً بدورنا تجاههم فلنرى ماذا يريدون منا ولن يذكروه لنا، بل يجب أن نكون مبصرين لهذا الأمر وننتبه له ونحاول تقديمه لهم بأفضل وأحسن ما يمكننا فنقوم بدورنا أو واجبنا نحوهم بأفضل شكل كما قاموا هم به من قبل بأحسن وأفضل شكل.
على الأغلب نحن نتوقع أن الوالدان يحتاجان منا مزيدا من الرعاية والهدايا النفيسة ومثل ذلك. لكن الغريب أن أحلامهما قد تكون أبسط ما يمكن، فأن يرياكي سعيدة في حياتك هو من رد الجميل لهما.
ومهما فكرنا فلن نرد الجميل لكن يكفي أن نتحملهما عندما يكونا كبارا كما تحملونا عندما كنا صغارا ونحمل فضلاتهما بحب إذا اضطررنا لذلك كما فعلوا معنا عندما كنا لا نقوى على الحركة في فترة الرضاعة.
ماذا لو وضعنا أنفسنا مكان والدينا ونظرنا وكأننا نحن الذين في مكانهم، وسألنا أنفسنا وقتها، ما الذي نريده من أبنائنا؟
ربما ستكون هذه هي الإجابة الصادقة، وإن لم تكن الوحيدة.
من وجهة نظري أكثر ما يرعبني أن يشعر والداي بعد كل هذا العمر أن مهمتهما قد انتهت بالنسبة لنا، وأننا إذ استطعنا أن نقف على أرجلنا فإننا بذلك لسنا بحاجة لدورهم في حياتنا وأن دورهما كآباء قد انتهى.
ربما أنظر في عين أبي وأمي بعد عودتي من من سهري في الخارج مع بعض الأصدقاء متأخراً في يومٍ من الأيام وأجد فيها علامات الإرهاق بادية وهي تنتظرني وتابى أن يغفل جفنها قبل أن أعود، وأرى نظرة حيية في عينها تخاطب أعماق قلبي قائلة: لو أن لي نصيباً من مثل هذا الوقت الذي تقضيه مع أصدقائك؟ أشعر حينها بكل الضيق يملئ قلبي وأتسائل: أليس حقاً وواجباً علي أن أقدم كل ما يمحو هذه النظرة من عينيهما؟
ربما يمكننا فعل الكثير، ولكن هل سيكون كل ما قدمناه كفيلاً برد الحميل؟
اعذريني آنسة رغد أنا أستغرب تسميتكم له بمصطلح ( فضل الوالدين ) و كأنه تفضل منهما حيث يبدو و كأن الطفل لا يستحق ذلك الفضل رغم كونه لم يختر إنجاب نفسه بنفسه .. من المفروض أن يكون الإبن محبوبا و مقبولا من طرف والديه و عائلته فلا يستخسرون عليه أي بذل و أي عطاء .. ببساطة لأنه ابنهم الذي أنجبوه عن حب و عن رغبة منهم في الإنفاق عليه و في رعايته من دون أي شروط .. و الاستنقاص من هذا الحب يعتبر إهانة للطفل .. و سيدرك أنه تم إنجابه لكي يتم استعباده و لكي يكون تسلية لوالديه أو خادما أو لكي يكون أداة ضغط تستعملها الأم ضد الأب أو العكس .. الخ ، و هذه النرجسية العائلية تسبب صدمة نفسية للأطفال و بالأخص للحساسين منهم الذين لا يرغبون بوجود أي انتقاص لقيمتهم الذاتية الجوهرية .. فإذا كان الطفل أرخص إلى الدرجة التي يصبح فيها الإنفاق عليه تفضلا فلماذا أنجبه أهله ؟
في بعض المجتمعات نرى الابن عندما يتم السادسة عشر من عمره يطرد خارج بيته ليبدأ حياة مستقلة تماماً، ويرى الناس أنه بذلك قد انتهت مسؤوليتهم، إذ أن الطفل قد استوفى حقوقه عليهم.
وفي ظل وجود ذلك ألا يكون ما يفعله الآباء وما تعنيه رغدة في مساهمتها لا يعد فضلاً؟
أم أنك تؤيد مبدأ الرعاية حتى السادسة عشرة؟
@Moaz_Ahmed أنا مع قرار الطرد من المنزل و لكن بشرط و هو التأكد من جاهزية الإبن لتحمل أعباء الحياة لوحده .. لأنه من واجبي الأخلاقي أن أدعمه في جميع حالاته ما دمت أستطيع ذلك حتى أراه ناجحا و مستقلا .. و لا أرميه للشارع و هو لا يملك أدنى فكرة عن الواقع و عن أخطار الحياة .. هذا شيء عيب و عار و خيانة لأمانة الله ..
لأنه من واجبي الأخلاقي أن أدعمه في جميع حالاته ما دمت أستطيع ذلك حتى أراه ناجحا و مستقلا
وإذا لم يتحقق ذلك في سنٍ معينة، وطال أمد المدة التي استطاع أن يستقل بنفسه فيها، ألا يعد ذلك فضلاً لهما؟
علينا أولا أن نستوضح معنى الفضل و التفضل و نتفق على تعريف واضح حتى نكون أنا و أنت نقصد نفس الشيء .. ما الذي تعنيه بقولك التفضل ؟ هل تعني تقديم المساعدة له ؟ و ماذا لو كانت معاناة الطفل سببها الرئيسي هو إنجابه في واقع و مكان خاطئ مضر بصحته يتفشى فيه الظلم و الجهل و غياب الأخلاق و انعدام العدالة ؟
ماذا لو كان فشل الإنسان يعزى بالأساس إلى التربية و المعاملة النفسية الخاطئة و السلبية الصادرة من الوالدين أو ربما من إهمال حقوقه و التي لا تقتصر على الجانب المادي فقط بل حتى على الجانب المعنوي ؟
ماذا لو كان فشل الإنسان يعزى بالأساس إلى التربية و المعاملة النفسية الخاطئة و السلبية الصادرة من الوالدين أو ربما من إهمال حقوقه و التي لا تقتصر على الجانب المادي فقط بل حتى على الجانب المعنوي ؟
في هذه الحالة صديقي لا نغض الطرف عن هذا الخطأ، بل نشير إليه بالبنان ونجهر به بأعلى أصواتنا، فليس فضل التربية والرعاية والاهتمام - وإن كان واجباً عليهما - ينفي عنهما عن خطأ أو تقصير يصدر منهما في حق أولادهما.
ولكن حتى في هذه الحالة وإن كانا سبباً في فشل الولد فهل هذا ينفي فضلهما عليه في أمور أخرى؟
ونحن هنا لا نتحدث عن أخطاء التربية التي تتسبب في فشل الأولاد.
وإنما نتحدث عن فضل الآباء الذي يتسبب في نجاح الأولاد حتى وإن اتخذ الولد سبل الفشل.
نقول عن الفضل بأنه فضل عندما لا يكون واجبا أخلاقيا اتجاه الطفل لأن الطفل لا يرغب في الشعور بالإستغلال و بأنه قد تم إنجابه للتمنن عليه و لكي يصارع الحياة بمفرده .. لا أدري لماذا تخبر إبنك بأنك صاحب فضل عليه ألست أنت من أنجبه ؟ ألا يفترض بأنك أنجبته حبا فيه و حبا في رعايته و رؤيته ناجحا ؟ ألست ترى بأن إنفاقك عليه يشبه الإنفاق على نفسك ؟ هل يصح أن تقول أنك صاحب فضل على جزء من روحك و على قطعة منك و على امتداد لجيناتك ؟ بصراحة لا أدري لماذا يستخسر الكثير من الآباء الأرزاق على الأبناء و لماذا يرون بأنهم يقدمون فضلا أو معروفا ؟
لو أنني لا أشعر بحب أطفالي فلا أنجبهم ببساطة .. لا أنجبهم و لا أكلف نفسي عناء تربيتهم و بعد ذلك أمنن عليهم و أقول بأنهم لا يستحقون و أنهم بدوني لا يعتبرون شيئا .. و عندما تضيق بهم الحياة أرميهم أنا أيضا .. أعتقد أنه تصرف لا إنساني و لا أخلاقي في حق الطفل .. و مع ذلك هناك أولياء كثيرون لا ينجبون عن حب و ليس حبا للطفل في حد ذاته بل حبا لأنفسهم و لأجل التفاخر و التكاثر لا غير .. لأن من يحب ابنه حبا حقيقيا لا يقول له أنت مدين لي بفضل بل إنه ينفق بلا شروط إذا استطاع ذلك .. و الطفل لا يحتاج من والديه الأموال و الماديات الكثيرة بقدر ما يحتاج إلى الأمان العاطفي و النفسي و إلى العناية بصحته عناية شديدة .. لأنك تستطيع أن تقنع ابنك بأن يعيش راضيا بالرزق القليل و تستطيع أن تقنعه بأنه يستطيع تحقيق أحلامه بنفسه .. لأن الطفل الناجح عاطفيا و أخلاقيا هو طفل ناجح في كل شيء آخر ..
اعذريني آنسة رغد أنا أستغرب تسميتكم له بمصطلح ( فضل الوالدين )
كيف ذلك أ. فتحي؟ بل هو فضل وفضل كبير أيضًا.
الآباء لا يتصرفون كلهم بنفس الطريقة تجاه أبنائهم. البعض يكتفي بالأساسيات، مثل أن ينفق على الابن وحسب، أو يوفر له ما يأكله وما يشربه، وبعضهم يفني عمره بالمعنى الحرفي في تربية ابنه وإعطائه من كل ما عنده. هناك أب قد يتبرع لابنه بجزء من كبده، وآخر لا يفعل نفس الشيء، ولا تستطيع أن تلوم الأخير إذا كان يؤدي حقوق ابنه الأساسية بصراحة.
وهذا هو الفرق، هناك آباء فعلوا أكثر من واجبهم. أعرف أبًا -الله يحفظه- مُصّر على مساعدة ابنه البالغ من العمر 23 عامًا على إتمام بناء شقته الذي سيتزوج بها، رغم كل شيء، ورغم أن الابن لديه وظيفة، يقول له الأب لن أرتاح في حياتي إلا بعد أن أنجز معك هذا.
هل يستوي هذا مع أب آخر طرد ابنه في سن السادسة عشرة ليستقل بعيدًا عنه؟ لا طبعًا.
فضل الآباء طيف واسع، وليس شيء محدد.
هل تظنين يا آنسة رغد أن الأطفال سيكونون سعداء بتضحية والديهم لأجلهم و تبرعهم بكبدهم ؟ هل تظني أن الأطفال بلا مشاعر ؟
عليك أن تفهمي أن الأطفال لا يرغبون بأن يأتوا لرؤية معاناة والديهم أمام أعينهم سواء لأجلهم أو لا كما لا يرغبون بأن يروا معاناة أطفال و آباء آخرين .. أطفال هذا العصر لا يتحملون رؤية المعاناة أبدا سواء لأنفسهم أو لأهلهم أو لغيرهم .. و انعدام الأخلاق يثبطهم و يكبحهم و يجعلهم يفشلون و لا ينجحون ..
جربي قليلا أن تفكري كما يفكر أطفال العالم في هذه اللحظة و الذين ولدوا و وجدوا أنفسهم وحدهم أمام الحروب و أمام واقع لا يشبه أرواحهم و اطرحي على نفسك مثل المقطع الهام الذي سيأتي ذكره في المقتبس و جربي أن تنظري و تستشعري معناه بعمق ( و أكاد أكون شبه متأكد من أنه صوت يمثل فئة كبيرة من أطفال العصر الجديد ) :
لماذا كلفت نفسك يا أمي ؟ و لماذا كلفت نفسك يا أبي ؟ لماذا كلفتما نفسيكما في إنجابي و تربيتي و التعب و السهر علي و تعليمي و النفقة علي و أنتما تحلمان بأن أصبح شخصا أفضل .. أنا ممتن و شاكر لكما كل شيء فعلتماه لأجلي .. و لكن رغم ذلك أنا أعتذر منكما لأنني فشلت في تحقيق أمنيتكما و رغبتكما مني و أعتذر لأنني لم أستطع أن أعيد فضلكما و لم أستطع حتى على الإنفصال عنكما بحياتي الخاصة .. لم أفشل في هذا فقط بل إنني تحطمت حطاما لا يعلمه إلا الخالق و قد جرحني و صدمني الواقع السيء و المكان الخاطئ الذي كان أقبح من أن أحتمله لقد كان أقبح و أشنع من أن تتحمله روح مثلي .. لا أستطيع أن أسامحكما على استخراجي منكما لكي أعيش واقعا مليئا بالظلم و الفساد و الكذب و الحروب و السرقة .. أنتما لا تعرفان حجم الألم و الدمار و المرض الذي سببه هذا الواقع لي لدرجة أنني نزفت دما من الداخل لم ترياه و لم أجرؤ على إظهاره خشية أن تسيئا الظن بي لقد أخفيته عنكما بابتسامات مصطنعة حتى لا أضيف عليكما هموما فوق همومكما .. و أنا الآن محتار هل علي أن أكون ممتنا حقا لكما على إحضاري إلى جحيم الحياة .. أعلم أنكما لن تفهما مني أي شيء مهما تكلمت و لكنني أتمنى من قلبي أن تدركا أنني لست كغيري من الناس و لست من الأرواح التي تتحمل ما تحملتموه أنتم لأنني جوهر بشري مختلف تماما عنكما .. لا أستطيع أن أتحمل قبح هذا العالم و أنا الآن أنزف لأن ولادتي في حد ذاتها قتلتني و كأنني مت و لم أولد .. ما كان عليكما أن تنجباني في زمن لا يصلح لي و في عالم يعج بالحروب و يعج باضطهاد الأطفال و الأبرياء .. إن مجرد رؤيتي لما يجري و يحصل لأطفال هذا العالم شيء يجرحني و يؤلمني بشدة .. أنا كائن لا يحتمل أن يعيش وسط بشر يسفكون دماء بعضهم بعضا أكثر مما تفعل الحيوانات .. أنا لا أستطيع أن أعيش و أنجح في مجتمع يعج بالكذب و الظلم يترقب أخطائي و يعيش حياتي أكثر مما يعيش حياته و يترصد زلاتي ليسخر مني كما لا يفعل مع زلاته و أخطائه .. لو فكرتما قليلا يا أبي و يا أمي لأدركتما أن أكثر شيء إنساني في زمننا و الذي يصلح فيه هو تبني الأطفال الذين بلا أب و لا أم و ليس إنجاب أطفال جدد .. لو فكرتما لأدركتما أن كوكبنا لم يعد يرغب بمزيد من الأطفال و الضحايا الأبرياء .. لذلك تمنيت لو أنني لم آتي لكي أرى هذا الجحيم الذي يبدو بلا نهاية ..
التعليقات