ألاحظ أن معايير الجمال الحديثة أصبحت تفرض صورة موحدة للجمال، وكأن الجمال يجب أن يتماشى مع قالب واحد لا يتغير، ومع الترويج المستمر لمعايير معينة في الإعلام والإعلانات نرى العديد من الوجوه على الشاشات، سواء كانوا ممثلين أو مؤثرين أو بلوجرز يتشابهون بشكل لافت، الشفاه الممتلئة والوجه المنحوت أصبحا يعتبران رمزي الجمال المثالي، ويروج لهما باعتبارهما الأفضل، بينما يُنظر إلى كل ما يختلف عن هذه الصورة على أنه غير مناسب. برأيكم كيف يمكننا إعادة تعريف الجمال ليشمل التنوع الحقيقي بدلاً من التقيد بمعايير محددة؟
معايير الجمال الحديثة تفرض علينا صورة موحدة للجمال
يتشابهون بشكل لافت، الشفاه الممتلئة والوجه المنحوت أصبحا يعتبران رمزي الجمال المثالي،
لا يمكن أن ننفي أن الطرف الآخر يميل إلى مثل هذه الصفات،فكثير من الشباب يميلوا إلى أن يظفر بزوجة مثل هذه الملامح لذا للأسف الفتيات يلجأن إلى عمليات التجميل كي يلاقن اعجابن من قبل هؤلاء الشباب. فمثلا ستجد شاب يقول أريد فتاة مثل نانسي عجرم أو هيفاء وهبي وبالتالي الفتيات يسارعن الزمن نحو هذه العمليات.
الجمال ليس فقط المظهر أو الشكل، هنالك أيضًا الأناقة واللطف في التحدث، أيضًا جمال الروح والعقل قد يعيره البعض اهتمامًا، لذا الامر بحاجة إلى وعي وتقبل المظهر والشكل كما هو من قبل الطرفين، وان كل شخص لديه صفة ما تميزه عن الآخر. نحاجة فقط، لأن نتقبل عيوبنا ومحاسنا، وفي نفس الوقت الأخرون يتقبلون كما نحن.
ستجد شاب يقول أريد فتاة مثل نانسي عجرم أو هيفاء وهبي
نانسي وهيفاء أصبحن دقة قديمة هنّ الآن في عمر تيتا بالنسبة لهذه الأيام.
وأنا بحكم دراستي السابقة لمناهج سلوك العملاء أرى أنه حاليا أصبح الأمر مختلفا، فبدلا من اتخاذ نجمات السينيما وفتيات الإعلانات كمقاييس للجمال أصبح هذا الأمر ذائبا إذ أن المؤثرين على مواقع التواصل وخصوصا التيكتوك أصبحوا يظهرون بأشكال مختلفة عن تقاليد الجمال الطبيعي ولولا أني لا أتابعهم لكنت عرضت لك بعض الفيديوهات التي تعرفينها جيدا. فمن سيفكر في معايير الجمال بعد أن يرى أم خالد وبيرت واكد وتلك التي تطبخ في غرفة النوم أمام عينيه. من يرى هذه الوجوه الجميلة والعكس صحيح ... أمام عينيه لن يفكر أبدا في الزواج. وأنا لا أتنمر عليهن والله وإنما أثبت حالة موجودة فعلا.
دائمًا ما ألاحظ العكس تمامًا، حيث أن الكثير من الشباب على من أفراد عائلتي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يُظهرون اشمئزازهم من المظهر الذي تحاول الفتيات الوصول إليه عبر عمليات التجميل، ويجدون أن هذه العمليات ليست إلا تشويهًا للمظهر الطبيعي وتدميرًا للجمال الطبيعي الفريد.
للأسف الكثير من الفتيات يسارعن في إجراء هذه العمليات رغبة في لفت الأنظار أو تلبية معايير شكلية مزيفة، لكنهن في النهاية يعانين من مشاعر الأسف والندم بعد أن يدركن أن التغيير الخارجي لم يجلب لهن الرضا الداخلي أو الاهتمام الحقيقي، بل يؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس.
لذا للأسف الفتيات يلجأن إلى عمليات التجميل كي يلاقن اعجابن من قبل هؤلاء الشباب
أعتقد أن الفتيات تلجأ لتلك العمليات بسبب اعتقادها الشخصي أن هذه هي معايير الجمال المرغوبة، نستطيع أن نقول أن ذلك هو خطأ في الاستدلال لأن مقدمي البرامج والمسلسلات والأفلام هي التي تُظهر أن هذا الشكل هو الأكثر جاذبية بينما في الحقيقة يتفاوت ذوق الأفراد من الرجال والنساء تفاوتاً كبيراً ولا ينحصر في شكل واحد..
في الحقيقة أصبحت نجمات التلفزيون كأنهم نسخة واحدة إذا لم يدقق الفرد أو يكون متابع جيّد للأعمال الفنية سيصعب عليه تمييز الواحدة من الأخرى..
لكن كذلك حتى الفنانين الذكور لهم سيماء مشتركة ربما ليس بنفس درجة الفنانات الإناث، لكن نجد الذكور يشتركون في عمليات تجميل للفك السفلي، كما أن هناك ملامح أخرى تتشابه..
أعتقد أن ذلك يقترب من استنساخ شخصيات محددة لعدد مرات كبير، وأصبح يقترب من الفرض على الفنانين أن يقوموا بذلك وإلا لن يواكبوا الموضة التي هي أساس عملهم..
يعجبني في الغرب التفاوت الكبير في أشكال الفنانين وخلفياتهم الثقافية وشخصياتهم كذلك.
من اللافت أن الظاهرة تشمل أيضًا تأثير التكنولوجيا على ملامح الفنانين من الذكور والإناث ومع انتشار برامج تعديل الصور والفلاتر، أصبح من السهل تحسين المظهر الخارجي للفنانين، مما يساهم في تعزيز معايير جمالية محددة قد تؤثر على الشكل العام للفنان، وهذا التوجه لا يقتصر فقط على الإعلام، بل وصل إلى منصات التواصل الاجتماعي حيث يُمكن للفنانين التواصل بشكل مباشر مع جمهورهم، لكنهم في نفس الوقت مجبرون على تقديم صورة مثالية لأنفسهم لتلبية توقعات الجمهور، في المقابل على الرغم من هذه الضغوط، لا ننكر أن هناك أيضًا توجهات فنية جديدة تبرز الأصالة والتميز وتنتقد معايير الجمال الغريبة، مما يفتح المجال للفنانين لعرض أعمالهم بطرق أكثر ابتكارًا وواقعية.
ومع انتشار برامج تعديل الصور والفلاتر، أصبح من السهل تحسين المظهر الخارجي للفنانين
رأيي الشخصي أن هذه البرامج والفلاتر قامت بموازنة المعادلة فقط، ففي الأفلام القديمة كذلك يظهر الممثلون والممثلات بهيئة ممتازة، لذلك يمكننا أن نقول أن الفلاتر والمؤثرات أضفت فقط هيئة جيّدة على الممثلين الذين يفتقرن للهيئة الجيّدة الطبيعية التي كانت متوفرة في الممثلين القدامى.
من المؤسف أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحا يروجان لصورة موحدة للجمال، مما يجعل الكثيرين يشعرون بأنهم بحاجة للتغيير . لكن الحقيقة هي أن الجمال الحقيقي يكمن في التفرد، في الاختلافات التي تجعل كل شخص مميزًا بطريقته الخاصة. إعادة تعريف الجمال تبدأ من تقبل الذات، ومن تعزيز فكرة أن الجمال لا يقاس بشكل واحد أو ملامح محددة، بل هو حالة من الثقة والراحة مع النفس.
صحيح، وكأن الجمال أصبح له قالب ثابت، ومن يخرج عنه يُشعر بأنه بحاجة إلى التغيير ليتناسب مع الصورة المثالية السائدة. لكن في الحقيقة، الجمال ليس نسخة مكررة، بل هو تفرد وتميز يعبر عن الاختلاف. ربما يكون الحل في أن نبدأ بأنفسنا، فنحتفي بالتنوع وندعم المحتوى الذي يبرز الجمال الطبيعي بدلاً من تعزيز الصور النمطية. عندما نتيح مساحة أكبر للأصوات التي تروج لمفهوم أوسع للجمال، بعيدا عن القوالب الجاهزة، ستبدأ النظرة المجتمعية بالتغير تدريجياً.
لكن الاكتفاء بالبدء بأنفسنا فقط لن يكون كافيًا لتغيير النظرة المجتمعية بشكل حقيقي، صحيح أن التقدير للتنوع والجمال الطبيعي يجب أن يبدأ من داخلنا، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن ننتظر حدوث التغيير بشكل تدريجي من دون تحرك ملموس، برأيي تعزيز هذه الفكرة يحتاج إلى مواجهة قوية للصور النمطية السائدة من خلال وسائل الإعلام، وصناعة المحتوى، والمجتمع بشكل عام، وإذا استمرينا في الانحصار في دائرة "البدء بأنفسنا"، فإننا قد نجد أنفسنا عالقين في نفس القوالب التي ننتقدها، ولن نتمكن من تغيير العقلية الجماعية التي تمسك بهذه الصور النمطية بشكل جاد.
التعليقات