مفهومي حول الفطرة تقليدٌ لجمهور علماء المسلمين في أنها الطَّبع السَّويُّ، والجِبلَّة المُستقيمةُ التي خُلِقَ النَّاسُ عليها.
نور الدين حاتم
طالب بالفرقة الخامسة بكلية طب الأزهر، أعشق الكتابة والسينما.
381 نقاط السمعة
192 ألف مشاهدات المحتوى
عضو منذ
1
الشيطان كامن في ذواتنا يا صديقي.. إنه النفس الأمارة بالسوء.. قد يصح هذا على سبيل المبالغة الأدبيّة، لكنه مغلوط حين يتعلّق الأمر بالحقائق الميتافيزيقيّة. فالشيطان في الديانات الإبراهيميّة جميعاً -على حد علمي- مغاير للنّفس الأمّارة على نحوٍ دراماتيكيّ واسع. وآصل ما يميّزهما هو الحالة التي يحدثها كلٌ منهما علينا (مع اشتراكهما في فعل الوسوسة). فالشيطان وسواس خنّاس؛ يلقي الهواجس والخواطر في نفسِ ابن آدم ويطير، بينما جزء النفس الأمّار (صيغة مبالغة) يتفنن في مُشاكلة مسمّاه؛ بتكرار الهواجس والخواطر حتى يصير
من تصورتنا الخياليّة عن الرزق أنّه يتمثّل عطاءاتٍ تهبط من علو؛ دون تحريكنا ساكناً. وهذا التصوّر عن الرزق -مع تمنُّنِ الرازق ببعضه على هذه الصورة- ليس واقع الرزق ولا صورته الأصيلة، بل الرزق كثيراً ما يكون توفيقاً بعد سعيٍّ أو أثنائه. فالصديق المفصّلُ الذي نبغي مصاحبته لن نلقاه جالساً جوارنا في سفرٍ عرضيٍّ، ولن نجده منتظراً إيّانا على بوابة الدار، إلّا فيما ندُر. من زاوية أخرى، أرى أننا كثيراً ما نعجز عن إيجاد الصديق لقيام تصورنا عنه على معتقدات مثاليّة
من لوازم عصر الأنا الذي نعيشه الآن أن نرى الطروحاتِ من نوعيّة "قل ولا تقل" تتصدّر الأنباء؛ في محاولة لتحسين المعاش الفرديّ وضمان الاستفادة من آخر دقيقة قد نعيشها. فأنا (مع إقراري بأهميّة ردّ البعض عند اللجوء إلينا) لا أرى ضرورة تذكير الآخرين التخلي عن بعض الأدوار الاجتماعيّة، لأنّ هذا واقعنا بالأساس، فمن منّا لا يتفانى في طرد الآخرين من حوله لإرضاء غرائزه أو فضولِه؟!
هذا تحليلٌ جيّد لآلية عمل النظام، لكنّه يُعتبّر تفكيكاً حرفيّاً (غير مقصود من لدن مُنشئِه). فهناك فارق بين ما يرتكز عليه النظام لتحقيق النتيجة، وبين العوارض والتحايلات الدماغيّة التي نصنعها أثناء تطبيقنا له. فمفهوم "تناول هذا الضفدع" وتمثّلاته أثبتت نجاحاً ناجعاً بشهادة الكثيرين. وبعبارةٍ أخرى لم يقصد منشئو أنظمة "ابدأ بالصّعاب" أن نركن إلى الفتور والاضجاع بمجرد فراغنا من أحد المهام الدسمة.
أحترمُ كثيراً هذه الشرارة المعرفيّة التي تتولّد في لحظةٍ ما دون سابق إنذار؛ لكني كثيراً ما أخشى على نفسي أن تُحرِقني! وقد عوّدتني الأيام أنّ ما يأتي سريعاً عادة ما يتملّص مني سريعاً، والعكس بالعكس. لذلك متى ما رأيتُ من نفسي شغفاً فُجائِيّاً إلّا وهدئتُ رَوعَها وأضحكتها، وفعلت معها كلّ ما يمكنني إلّا أخذها على محمل الجد. لكن إن كنتِ لا ترين ذلك صائباً فأخبريني كيف ستقرأين عشر صفحات يوميّاً بعد انقطاع لا تعلمين زواياه وأسبابه (كما يتضح لي)؟
أهم ما يمكنني التعليق عليه في هذه المقولة هو التنبيه، حتى لا ننسى مراعاة السياق الجغرافي والزماني للمقولة. فمن هي الفئة التي خاطبها فروست هنا؟ هل هم العمّال الحرفيّون أم المكتبيّون أم من؟ وما هي الرقعة المكانيّة التي سينطبق عليها تنبؤه؟ هل سيحدث ذلك مع عمال أفريقيا وآسيا مثلاً؟ على صعيد آخر، كثيراً ما كنت أشكّك في مثيلات هذه المقولة؛ بل أحياناً أتمادى لأظنّ أن الشركات العملاقة (العابرة للقارات) تصدّر بعض المبرّزين لنقل الرسائل التي لا يستطيع مدراء هذه الشركات
"الإبداع يتطلب الشجاعة في التخلي عن الثوابت". هذه مقولةٌ خرجت من فمِ علمٍ من أعلام الماركسيّة الفرويديّة المبكرة، والتي حاول فيها جمع الجميع، وإقحام المُتنَاحِرات في سياق فلسفي واحد. لذلك عادةً ما سيكون عدوّاً للثوابت، وسيرى الإبداع في سلوك طريقه الشخصيّ، طريق التخلي عن الفلسفات القائمة، حتى لو كان ذلك بتكوين فلسفة جديدة هجينة من فلسفتين قديمتين.
فنحن كبشر في هاته الحياة مسيرين قبل أن نكون مخيرين ، لا أظنّ هذا الاستشهاد في محله لعدة أمور: _النص المقدّس يخبرنا أننا مُخيّرون قبل أن نكون مُسيّرين، يوم كنّا في عالم الذر قبل التكوّن في أرحام أُمهاتنا. _مسألة/ ثنائيّة مسير أم مخير خارج أفعال النفس الناطقة، فكلُّ ما يبرز عنها "حال العقل" هو بإمضاء الإنسان واختياره. _لا يصحُّ عقلنّة الواقع "الذي لم نختره" بالاعتقاد بمباركة الله له دون دليل؛ وإلّأ كنّا عُباداً لأهوائنا. فلا يصح أن أقول: لم يكن
قصدت الإشارة لغالب العوامل التي تلعب دورا في معالجتنا العقلية للمستجدات/ العوارض. فاللغة مثلا (متمثلة في معجم كل شخص منا) تعكس مكنوناتنا الذاتية في القلوب والعقول. والذكريات تشوه كثيرا من العوارض، لتجعلها تخرج على هيئة سهلة الفهم والمعالجة... ببساطة أردت إيضاح المستطيل متوسط الصورة (التي بدأت بها المساهمة)، وإن كانت الصورة تغني عن ألفي كلمة!
لنفترض أننا زميلين في العمل (ويا لحظي حينها!)، ورئيسنا صعب الطباع مؤذٍ بالكلام. هنا يوجد أنا وأنتِ نتعرّض لنفس المؤثر السلبيّ، لكن أنا (مثلاً) سأضجر أولّ الأمر ثم سأشيّئه كلباً بمرور الوقت، لأرى كلماته نباحاً على قارعة الطريق لا يخصّني في شيء (استجابة ذاتيّة راديكاليّة خالصة). بينما ستتأثرين بكلماته وربما تقررين مفارقة محل عملنا -وهو ما سيحزنني حينها :)- لأنك ترينه انتقص من كينونتك الذاتيّة. فكلانا غار في ذاتيّته (عالمه الجوانيّ)، لكن المردود على البيئة والسطح (العالم البرانيّ) مختلف تماماً.