جدلية المصارحة : هل ستجرؤ على إخبار شخص مقرب منك بمرضه ؟

أرى أنه من الضروري إخبار المريض؛ فعندما أفكر أنني إذا أصبت بمرض مميت أفضل أن أعرف حتى أدرك أن وقتي ليس كالسابق، أني يجب علي الآن ترك كل دنياي والاهتمام بآخرتي فقط دون دنياي، أفضل أن أدرك أن لن هؤلاء لن يروني مجددًا وأعطيهم الوقت الكافي من الذكريات، وأؤكد لهم أننا سنتقابل بإذن الله، وأني لا أريد أن يحزنوا، أريدهم سعداء، حتى يوم وفاتي أريدهم سعداء، لا بأس أن يشتاقوا لي، لكن سنتقابل، هكذا أريد، وهكذا أرى أن يفعل الطبيب، يخبر المريض بمرضه، لكن المعضلة هنا، طريقة إخباره؛ فطريقة إخباره تؤثر على رد فعل المريض، الطريقة هي المعضلة.

حتى ولو أخبرني الطبيب أنّ المريض سيموت غداً سوف أقوم بإخباره، لا معنى هنا للكذب، من قال بأننا نصبح أفضل حين لا نعرف ولماذا نحرم صاحب العلاقة من فرصة أن يعرف ما يعيش؟ لا أستطيع القيام بذلك، خاصّة أنّ هذا الأمر الصراحة عشته مع ابن خالتي شخصياً في عام 2014 عندما كان مريضاً باللوكيميا، سرطان الدم، هذا المرض قررت خالتي بأن تخفيه عن ابنها تماماً، بتّ أراقبه وهو يأخذ الجرعات ويسأل ما مرضي وتوقّعت أنّهُ فعلاً قد يستطيع أن يصبح أحسن وأفضل بهذا الجهل التام عن ما يحصل معه إلا أن اكتشفت أخيراً بأنّه يعرف ولكنه يمثّل بأنّهُ لا يعرف، إذ من هذا الذي لن يستطيع تحديد الأعراض التي يعيشها والأدوية التي يأخذها دون أن يحدد فعلاً المرض الذي يعاني به مستعيناً بغوغل؟ بهذا العصر من الصعب التستّر على هكذا معلومة وأصلاً فكرة التستّر عليها غريبة، إذ ما الهدف من وراء هذا الأمر إذا كان لا يقدّم الحماية أصلاً للمريض لا نفسياً ولا غير نفسياً؟ الحقيقة لا أعرف، وبما أنّه لا هدف من وراء كل هذا فلماذا نفعل هذا الأمر؟

جدلية المصارحة أعتقد أنها تعزز التواصل الصادق والثقة، كما أن هذا القرار الذي أشرت إليه هو قرار شخصي صعب يعتمد على القيم الأخلاقية والعلاقة مع المريض، يمكن أن يساعد الإفصاح عن مثل هذه المعلومات في بناء تواصل أكثر صدقا ودعما، ولكن يجب مراعاة مشاعر المريض والتفكير في كيفية التعامل مع المرض بطريقة تجمع بين الصراحة والحساسية.

ومامدى أخلاقية الكتمان ؟

هنا لابد من اخبار أهل المريض حتى لا تكون الصدمة كبيرة إذا تم اعطاء الأمل لهم بالشفاء، المريض إذا كان هذا لا ينفعه يمكن اخفاء الأمر عليه حتى يعيش أيامه المتبقية بسلام ودون قلقل ربما القلق على أولاده أو القلق من أمور أخرى مما يزيد حالته تأزما.

محاولة البقاء معه في أيامه الأخيرة والتعامل معه بطريقة طبيعية قدر المستطاع حتى لا يتحسس وحتى لا يتكلف أهل المريض بالكذب عليه.

وليس أمام المريض إلا وقت محدود للعيش

هذه لا تمثل جدلية او معضلة في نظري لسبب واحد وهو أنني أرفض رفضا قاطعاً أن يحدد الطبيب موعد لأنقضاء الأجل!! نعم، أعلم أنه قد يحدد خطورة المرض ومدى تقدمه ولكن أن يحدد مدة بعينها للعيش فهذا مرفوض برأيي. ومن هنا ساخبر المريض بطبيعة مرضه وسنواصل العلاج وأعمله أن مرضه خطير ولكن من يعلم علم اليقين أنني انا الصحيح لن أموت قبله؟!! لقد كنت أنا نفسي مريض موضوعاً على أجهزة التنفس وكانت حالة رئتي تزداد في كل فحص سوءا فوق سوء وقد فقد في الأقربون قبل الأبعدين الأمل وفقدته أنا بنفسي في ظروف غاية في التعقيد ثم نجوت ومات من كانوا أحياء يقفون فوقي وأنا مريض!!!! لقد شهدت رحيل ثلاثة من أقاربي لم نكن نتوقع لهم أن يرحلوا بمرض في القلب أو بجراحة أو بغيرها!!! فلا كتمان ولا تحديد للأجل أبدا...

بالطبع سأخبره هذه حياته ومن حقه أن يقرر ما سيفعله في آخر أيامه فلا أجرؤ على الحجر على إرادته

"لكل أجل كتاب" ولا مفر من الموت وربما لديه أمنية أخيرة يود أن ينفذها أو أشخاص يودعهم أو وصية يوصي بها فلما أحرمه من هذا

أشعر أن الذي يده بالماء ليس كمن كانت يده في النار.. وكما يقولون الحديث في بحر الفضى يختلف كل الاختلاف عند التطبيق على أرض الواقع..

أصيب عدد من أقاربي بسرطان خبيث بمراحل متقدمة، منهم من قضى نحبه.. رحمة الله عليهم أحبائي..

ومنهم من لايزال يحارب حتى اللحظة..

كلّهم دون استثناء بالرغم من إيمانهم(المتفوق برأيي على إيمان من حولهم) وصبرهم المنقطع النظير، تشبّثوا بالحياة بكل أعزامهم..

كلّهم كنت أراهم لايريدون الموت.. فكيف تخبر من لايريد الموت بأنه سيموت..

أقول أن الإنسان يمكن أن يقول لمقابله: "لازم لازم تخبروه" وهو بعيد ولا يرى تفاصيل التفاصيل..

لكن تعال وقف أمامه وقل له ستموت..ليست بهذه السهولة!!!