في بداية إقدامي الدخول لمجال ريادة الأعمال واهتمامي به، هممت بقراءة دراسات واحصائيات حول مدى نجاح الشركات الناشئة وقابليتها للنمو؛ وهنا كانت معظم الدراسات تشير إلى: أن نسبة أكبر من 70% من الشركات الناشئة يكون مصيرها الفشل، حتى بعد قفزات رائعة من النمو والازدهار ! 

وبالنسبة لي كانت مثل هذه الأرقام هي أرقام مرعبة. جعلتني أتراجع مراراً وتكراراً خوفًا من الفشل؛ لكن الرغبة الجامحة التي أملكها كانت دومًا تشدني نحو هذا الحقل بقوة أكبر من السابقة محطمةً جل الأفكار السلبية وباحثة عن المفتاح المناسب لكل باب . 

ذات مرة قرأت معلومة يرددها كافة علماء النفس والتنمية البشرية وهي : أن معظم مشكلات الناس تكون إما لنقص معلومات، أو بسبب معلومات مغلوطة .

وكان لهذه العبارة وقعها الإيجابي على طريقة تفكيري بحيث آمنت أن أي خلل سأواجهه سيكون علاجه هو: "المعلومات الصحيحة " فإذا كان 70% من رواد الأعمال يفشلون؛ فهذا يعني أنهم لا يملكون معلومات صحيحة حول شركاتهم الناشئة! وهذا بدوره سبباً كافيًا لإحداث المشكلة. من هنا إذا أردت أنا كرائد أعمال مهدد بفشل مشروعي أن أقلب الطاولة وأحول الخسارة لربح؛ فعلي أن أدرس مواطن الخلل في المعلومات التي لدي وأعالجها. 

حين ناقشت ذلك لمدربي الخاص- آنذاك - قال لي: هذا رائع ولكن نظريًا! فالأمر يبدو هينًا، أما عمليًا هذا يحتاج الجلد والجهد الفكري والبحثي؛ ولن يستطيع كل رواد الأعمال النجاح بذلك. وعلى الفور أبديت رغبتي بالمساعدة المجانية وقلت له: هنا يكمن سحر ريادة الأعمال! أن نعمل من أجل تغيير النتائج. 

 فالجميع يعلم أن لرائد الأعمال صفات خاصة مثل الصبر وقوة التحمل والبحث والتجدد ... ولكن إذا كانت هذه الصفات غير موجودة لدي سأكون من ال70% الغير مرحب بهم في وادي السيلكون. 

حتى أدخلني مدربي في تحدي العمل مع شركات ناشئة حددت بنفسها أن مصيرها الفشل. وطلب مني أن أختار عشرة منهم من أجل تغيير واقعهم وتفادي الخسارة، أخذت وقتًا كافياً للاختيار، ثم قمت باختيار 10 شركات.

 ووضعت تصور مسبق عن المشكلة التي تواجههم والحل الذي أتوقعه وقدمتها له؛ كانت ردة فعله مدهشة بالنسبة لي وحفزتني أن أحول هذا الورق لواقع .

 الشركة الأولى: كانت لرائدة أعمال عراقية تهتم بمستحضرات الشعر المصنوعة من مواد طبيعية ولكن هذا السوق مكتظ بالمنافسين، وكان ثمن المنتج مرتفع مقارنة مع غيره من المنتجات التي تنتمي لماركات عالمية، وكانت آخر محاولة لرائدة الأعمال لتفادي الخسارة هي خفض السعر.

 اشتريت المنتج دون علمها بذلك، وحين تحقق لي اليقين بأن هذا المنتج فعال حقاً ويحل مشكلة العميل بشكل أفضل من المنتجات المتوفرة بالأسواق أخبرتها بأن علينا تغيير عبوة المنتج واستبدالها بعبوة خشبية مع لمسة تحمل عبق الطبيعة بإضافة مشط خشبي وبعض الأدوات التي تلزم العميل لاستخدام هذا المنتج مع إضافة كتيب شرح الاستخدام مصاغ بطريقة جذابة وكلمات بسيطة تتحدث عن أهمية المنتج لتحسين الحالة المزاجية والثقة بالنفس و إتاحة التواصل مع الإخصائية مجاناً حتى الوصول للنتيجة المرغوبة بالإضافة لرفع السعر لأكثر من الضعف فإذا كان ثمنه 20$ أصبحت تبيعه ب 49$. 

 وبالفعل خلال شهرين كانت صاحبة هذه الشركة قد نجت وبدأت تصدر منتجها إلى الخارج . 

أما الشركة الثانية: فكانت لرائدة أعمال لبنانية تعلم اللغة العربية، والكتابة الإبداعية داخل حدود وطنها وشعرت أن مثل هذا النشاط مهما كان مطلوب فهو ليس بأولوية لدى الكثير من العرب لأن المدارس والدروس التعليمية المنشورة عبر الانترنت توفر هذا النشاط، ولذلك ارتأيت أن يكون التغيير بالفئة المستهدفة وخاصةً أن السيدة تتقن اللغة الفرنسية والإنجليزية، وكأنهما لغتها الأم ولذا اقترحت عليها أن تخاطب المتحدثين بالفرنسية من عرب وأجانب يودون تعلم اللغة العربية أو تعليمها لأطفالهم من خلال صفوف افتراضية عبر تقنية الزووم ثم بعد ذلك يمكنها عمل منصة خاصة بها . 

وتطلب ذلك عمل دراسة جديدة لملف سلوك العميل لا يغفل طبيعة ذلك السوق وخصوصيته حتى حققت نجاح أكثر مما كنا نتوقع وأصبح لديها خلال شهر واحد أكثر من مئة عميل وقدمت لهم التدريب بمقابل 50 يورو وهي الآن تعمل من أجل بناء منصتها الخاصة وقامت بتوظيف اثنين من المدربين لمساعدتها. 

الشركة الثالثة:  عبارة عن منحل ومتجر يقدم أنواع من العسل الطبيعي وكان كل شيء في هذا المتجر باهتًا ومملًا سواء كان المحتوى، التصاميم، أو الاسم، أو طريقة التواصل مع المتجر، حتى المدة التي يستغرقها المنتج للوصول، وهنا أخبرت رائد الأعمال بهذا الرأي فكان رده : أنه يملك أجود أنواع العسل وأن هذه الأمور غير مهمة ولا يحتاج إليها، وجودة منتجه أفضل من السوق ...

حتى احتدم النقاش بيننا فأخبرته أنك اذا أردت أن تغير نتائجك لانقاذ الموقف يمكنك أن تبقى المؤسس فقط! وتضع شخص موثوق ومختص من أجل إدارة الشركة مقابل نسبة واجعلها فترة تجريبية، إذا لم تجد مكاسب فلن تخسر شيء! وفي هذا الوقت يمكنك الاستفادة من بعض التدريبات المتاحة مجاناً عبر الإنترنت .. وفي الحقيقة لم أكن أتوقع أنه سيستمع لتلك النصيحة حتى فوجئت باتصاله في عيد الفطر وهو يخبرني عن النتائج التي حققها ويقول بالحرف الواحد : شكرًا لأنك نبهتني أنني كنت المشكلة! 

 الشركتان الرابعة والخامسة كانتا شركة واحدة تهتم بالمبيدات الحشرية الطبيعية لصديقين كنديين، قاما بعد فترة بالانفصال بعد أن لمع نجمهما وتمخض عن ذلك شركتين منافستين يقدمون نفس المنتج ولكن كل منهما باسم ويضاربان بالسعر حتى بات كلاهما خاسر كل ما فعلته أنني اقترحت عليهم تطوير المنتج وإعادة انتاجه من جديد حتى قام أحدهم بتحويله من حبيبات إلى أقراص آمنة على الأطفال أما الثاني فأضاف مادة طبيعية لذات المنتج وجعله يصلح للتخلص من القوارض وهنا اختلف سوق كل منهما وأصبح الأول يخاطب البيوت ورياض الأطفال والمدارس أما الثاني فيخاطب المصانع والأراضي الزراعية .

 هذه قصص واقعية لشركات ناشئة كادت أن تندثر لكن لولا إصرار أصحابها على التغيير لما حدثت هذه النتائج. في المقابل الشركات الخمس الأخرى: تراخى رواد أعمال ثلاث شركات في التعاون معنا، بينما الشركتين الأخرتان تأخرتا بالتطبيق، وتشجعتا بعد مشاهدة نتائج أقرانهم وبانتظار نتائجهما خلال الشهر القادم. 

أما بالنسبة لي فعلى الرغم من أنها كانت خدمات واستشارات مجانية، إلا أنني تعلمت منها الكثير واستفدت ما لا يقدر بثمن، تعاملت مع كل شركة وكأنها شركتي الخاصة وكان نتيجة ذلك أن تم اختياري لوظيفة هامة في هذه الشركة " الكندية" لم أكن أفكر بها.

 الحكايات لن تنتهي هنا و النجاح ليس مكفول إلا لمن يجتهد. برأيكم ما هي أهم الخطوات لضمان استمرارية النجاح ؟