في وداع مدير مدرسة قدير، بعد أن أنهى خدماته، وأصبح في سن التقاعد عن العمل، تقطع قلبي أثناء مشاهدة الفيديو وهو يوعد المدرسة التي طالما جاء لها صباحًا، ووقف فيها حالا لقضايا الطلاب من حوله.

خلتُ في هذه اللحظة أنه حينما يعود للمنزل، سوف يعيش قصة طويلة مع الاكتئاب، والحزن كل صباح.. لأنه لن يعود له الحق في السير باتجاه المدرسة التي قضى فيها نحو أربعين عامًا.

وبتعريف بسيط للتقاعد، هو الوقت الذي يتوقف فيه الأشخاص عن العمل، التقاعد ليس فقط توقف عن العمل، بل هو يشمل أيضا في بعض الوظائف الحكومية حصول الشخص على نصف راتبه، وفي بعض المهن لا يكون له أي مدخرات أو عوائد مادية بعد توقفه عن العمل.

يقول مالكوم فوريس: التقاعد يقتل أكثر مما يقتل العمل الشاق!

وبالنظر لمقولة فوريس ينتابني سؤال حول ما بعد سن التقاعد، الأمر الذي يبدو مدهشًا في نظري، هل التقاعد يقتل حقًا أكثر مما يقتل العمل الشاق؟!

بالعودة إلى دراسة أجريت حيث تضمنت أن ثلت كبار السن محرومون من أي راتب تقاعدي، وأما المتقاعدين الذين يتقاضون رواتبهم، فبالكاد هذه الرواتب تقضي حوائجهم اليومية!

وبالنظر لحياة الناس ما قبل سن الخمسين، فإنك قليلا ما تجد شخص فكر بإدخار أمواله من أجل مابعد التقاعد، الأغلبية تفكر في شراء بيت، أو تعليم الأولاد، ولكن لا يمكن لشخص يرى نفسه شابًا أن يرى نفسه قد تحول لعجوز بائس يحتاج للمال!

لكن هل المال فقط هو سبب قتل المتقاعدين؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟

في بداية التقاعد عن العمل يشعر الشخص بأنه أصبح حرًا، وأنه ارتاح أخيرا من عمله الشاق، وأنه سوف يكون له كل الوقت بالمتعة مع أولاده، وزوجته، وأحفاده الصغار، ولكنه يفاجئ بأن كل فرد حقق لنفسه حياة اجتماعية وعملية بعيدا عنه، ويبقى هو فقط في انتظارهم آخر النهار!

وأنه لن يتسنى له لا من قضاء وقته مع العائلة، ولن يجد أصدقاء الأمس، ولن يفكر إلا في الموت.

وفي أحد حواراتي مع أحد الأفراد حيث يعمل في مهنة الصحافة قال لي: أنه اليوم ذهبنا لدفن زميل العمل الذي تقاعد قبل شهرين.

قلت له: وهل كان مريضًا؟

قال: لا ولكنه ظل طوال الشهرين يأتي للعمل ويطالب بزيادة سنوات عمله، وظل يقول للجميع أنه لايزال لديه القدرة على العمل، وتم رفض طلبه لأكثر من مرة، وآخر مرة طرد فيها من العمل، لكنه لم يعد لمنزله بل ذهب للمستشفى! 

وعاد لبيته ميتًا.

برأيكم.. هل مقولة فوريس بوصفه للتقاعد على أنه قاتل صحيحة؟