المسؤولية الإجتماعية للشركات .. منحة أم حق للمجتمع؟

كنا نعمل على مشروع لمحو الأمية التقنية قبل سنتين وكنا وزملائي في الفريق نبحث عن أفكار لورش عمل نخرج منها بفائدة قوية للفئة المستهدفة من حولنا خاصة أن علاقة كبار السن بالتقنية ليست بتلك العلاقة الوطيدة.

كنا نحتاج للحصول على تمويل من الشركات التي تدعم مشاريع الفئات الشبابية وفي الواقع نجحنا بالوصول إلى هذا إلى حدٍ ما، ليس بالحجم الذي نتوقعه لكن كانت النتائج كبداية جيدة جداً.

وقتها علمت أن الشركات تمنح هذا من باب المسؤولية الاجتماعية بل وهناك رقابة على قيمة الأموال المخصصة سنوياً من هذه الشركات نحو خدمة قطاعات الدولة المختلفة، لذا يا شريف هل الأمر حقاً به نوعاً من الاختيار بين كونها حق أم منحة أم أن هذه النسبة تخضع لرقابة الحكومات على آلية تخصيصها وتوجيه أين يتم الاستثمار بها؟

لو نظرت الشركات التجارية إلى مسؤولياتها الاجتماعية كحق عليها للمجتمع، لازدهرت أعمالها أكثر!!

أليست المسؤولية الاجتماعية والمشاريع التنموية التي تؤدّيها الشركات للمجتمعات بمثابة ترويج ودعاية لها؟

كما ذكرتَ في المثال الذي ضربته، بنك فلسطين وهو فعلًا أكبر البنوك الفلسطينية، ما الذي ساعد في الترويج للعديد من خدماته خاصةً حساب الادخار البنكي الخاص بالأطفال والذي أذكر أن البنك قام بالعديد من الحملات التطوعية لمخيمات الأطفال الترفيهية وبعض المؤسسات التعليمية الخاصة، لهدف غير مباشر وهو الترويج لهذه الخدمة؟

الخدمة المجتمعية للشركات حقٌ للمجتمع، وفرصة لهذه الشركات لنشر فكرتها والتعريف بها لدى الفئات الأقل معرفة بها، وترويج لسلعها وخدماتها.

ساتحدث عن الجانب السلبي فالشركات تستعمل المسؤولية الإجتماعية للتهرب الضريبي فأنت كصاحب شركة يمكنك دعم العمل الإنساني و في المقابل ينقص المبلغ المدفوع من ضرائبك فمثلا تتبرع لجمعية كذا بمائة الف دولار و هم يقدمون مساعدات للمهمشين او الفقراء او اليتامى ألف دولار مثلا لكل شخص لكن في الحقيقة تصله ماىة دولار و انت تعطي 10 آلاف دولار والبقية تسترجعها نقدا ...

في الجانب الإيجابي دعم الشركة للمشاريع الإجتماعية هو بحد ذاته نوع من التسويق لها كما يسهل عليها العمل في بعض البيئات فمثلا من حيث اتيت المنطقة تعتبر إلدورادو الفلاحة ،المنطقة التي أعيش فيها لا نبيع الارض لكن جيراننا يقومون ببيع اراضيهم لشركات إستثمارية كبيرة تقوم بتهيأة المدارس و مساعدة الفقراء و تقديم بعض الإعانات البسيطة وهو ما يسهل تقبلها بين أولاىك الناس و تشجعهم على تقبل العمل كمجرد عمال بسطاء بعد ان كانوا ملاك اراض بور و مفقرين.

في دولتي تُقدم الجامعات الخاصة منحا دراسيا من باب المسئولية الإجتماعية أيضا، ويكون الأمر لزاما عليهم أمام الوزارة.

الأمر يبدو ظاهريا جيدا، لكن الحقيقة أنني اكتشفت في سنة التحاقي بالجامعة أن الأمر لا يسير كما يبدو، بل أن هذه الأماكن التي تخصص لطلاب يحتاجون لدعم مالي، تؤخذ لطلاب بعينهم، عن طريق (الواسطة).

فبما أن الأمر سيحدث في كل الأحوال، يجعلوا المستفيد به المعارف، والأقارب..إلخ.

حينها اكتشفت تلك الكذبة الكبيرة، التي بدت لسنوات طويلة مسئولية إجتماعية كما ذكرت، الأمر كله أنهم مضطرون لفعل ذلك لحماية مؤسساتهم أيا ما كانت من الرقابة أو من تساؤلات كثيرة هم في غنى عنها ليس إلا.

السؤال صعب يا شريف وله علاقة بالأولويات ، هل الاولوية للمساهمين وارباحهم واموالهم ام الأولوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات؟

ويمكننا البدء في مناقشة هذا الموضوع من خلال تعريف المسؤولية الاجتماعية للشركات بأنها آلية للشركات لتقييم تأثيرها على المجتمع والنظر في وضع سياسات مسؤولة وأخلاقية لدعم الأفراد والمجتمع المحلي والبيئة. وهي بهذا المعنى ليست مفهومًا جديدًا ؛ لان بعض الشركات لديها بالفعل أهداف أخلاقية واجتماعية قائمة قبل أن تصبح المسؤولية الاجتماعية للشركات ظاهرة علمية.

وسيكون السؤال الهام هنا ، لماذا تفعل الشركات ذلك منذ القديم وحتى الان ؟

وكلمة السر تكمن في فوائد المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي من ابرزها تمييز الشركة نفسها عن منافسيها. الأمر الذي سينعكس في الفوز بمزايدات التمويل أو كسب الأعمال وتقديم مزايا إضافية للمشترين أو المستثمرين في شكل سياسات أخلاقية وبيئية وموظفين وعملاء سعداء.

وبالتالي سوف يؤدي الشعور الجيد بالمسؤولية الاجتماعية أيضًا إلى الابتكار في الأعمال التجارية ، وخلق فرصة لقيادة الفكر وتحسين التأثير ، حيث تصبح المنظمات رائدة في إدارة شؤونها بطريقة أخلاقية ومستدامة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين سمعة العلامة التجارية وحتى توليد إمكانية زيادة الاستثمار والتمويل.

كما يمكن أن تكون المسؤولية الاجتماعية أيضًا دافعة للشركات من حيث المبيعات. فوفقًا لاتحاد الأعمال الصغيرة في المملكة المتحدة ، قال إن 88٪ من المستهلكين "أكثر احتمالًا" للشراء من شركة "تدعم وتشارك في أنشطة لتحسين المجتمع". لذلك ، يمكن أن تكون سياسات المسؤولية الاجتماعية للشركات وسيلة فعالة لتحسين سمعة المؤسسة وتعزيز المبيعات.

وهنا نعود لسؤال البداية : هل الاولوية للمساهمين وارباحهم واموالهم ام الأولوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، الامر اشبة بقضية الفرخة قبل البيضة أم البيضة قبل الفرخة !!

ومع ذلك لو اضطررت للاختيار ، من وجهة نظر أصحاب المال والمساهمين سأختار البدء بالمسئولية الاجتماعية باعتبارها منحة لتحقيق مزيد من الارباح ثم يأتي لاحقا كونها حق للمجتمع.

اعتقد أن هذه لمسؤولية ليست إجبارية في بلادي وإنما هي تعويض كبير عن بعض المدفوعات التي ينبغي دفعها، إذا في مصر تقوم الشركات بالنشاطات المجتمعية مقابل الحصول على بعض خصومات الضرائب، فحتى الشركات التي لا تؤمن بهذا أخلاقيًا ستنفذه طواعية من أجل الحصول على التخفيضات