في مساهمة سابقة تناولت فيها التعلم بالتقليد من حيث الإيجابيات والسلبيات، كان النقاش المثمر فيها سببًا لموضوع المساهمة الحالية، حيث جعلتني أرغب في التركيز على أهمية أسلوب جديد من التعلم ألا وهو التعلم بالاستكشاف أو التعلم بالتجربة، وأقصد به ذلك المستوى حيث لا يكون المتعلم على دراية بأي جانب من جوانب الموضوع الراغب في تعلمه، أو لديه بعض من الأساسيات أو الخلفية البسيطة عنه، وعليه فإنه يتعلم بتجربة الخوض فيه مباشرة وباستكشاف محتوياته بنفسه والتعلم من أخطائه، مثال بسيط على ذلك لنفترض وجود برنامج أو تطبيق جديد خاص بمجال ما ويقدم ميزات أو خدمات معينة، لا نحتاج بالضرورة أن نسأل أحد عن طريقة عمل البرنامج أو مشاهدة فيديو شرح له، يمكن ببساطة فتح البرنامج واستكشافه ويتعلم الإنسان عن طريق التجربة، أنا اعتمد تلك الطريقة في أكثر من ٥٠% من الأشياء الجديدة التي أريد تعلمها، وما اكتشفته أنها أفضل طريقة لثبات المعلومات على المدى الطويل وأيضًا التعمق في فهمها. فماذا عنكم؟ كيف ترون أسلوب التعلم بالاستكشاف؟
لماذا يجب علينا جعل التعلم بالاستكشاف جزء أساسي من خطة تعلمنا؟
التعلم بالتقليد كما وصلنا في مساهمتك السابقة يختصر الطريق ويسرع العملية ويساعدنا في اللحظات الحرجة إضافة الى بقية الامور التي عالجتها التعليقات في تلك المساهمة.
لكن لنتحدث عن التعلم بالاستكشاف هنا، وهو التعلم الأول للبشر، فأي شيء وأي مجال تم تعلمه في البداية بالاستكشاف والتجربة، بداية من إشعال النار الى الاكتشافات التاريخية والاختراعات البشرية التي كانت نتيجة تجارب مستمرة واستكشافات. فلولا وجود التعلم بالاستكشاف أساسا لما وُجِد لدينا التعلم بالتقليد، فمن نقلده، حتى لو هو قلد من قبله.. في النهاية سنصل الى بداية السلسلة التي كان أصلها تعلما بالاستكشاف.
وبالمناسبة، الأطباء والعلماء في تطويرهم لعقارات او ادوية مثلا يتبعون هذا النوع من التعلم ( طبعا يستعينون بالتعلم بالتقليد ولا ينطلقون من الصفر لكن ينطلقون من آخر نقطة وصل اليها من قبلهم وهنا ينتهي التقليد ويبدأ العلم بالخطو للامام عن طريق الاستكشاف والتجربة.. لذلك تكون العملية بطيئة فعّالة)
بالإضافة لما ذكرته، فالتعلم بالاستكشاف هو أسلوب فعال حتى في الموضوعات البسيطة التي يريد الإنسان تعملها، ويمكن تطبيقه في مواقف كثيرة قد لا يدرك الإنسان أنه يستخدم هذا الأسلوب بالفعل، فمثلا عند تعلم لغة جديدة أنا لا أفضل فتح دروس لتعلم اللغة في البداية، ولكن أحب أن اتعلمها كالأطفال، بحيث أشاهد محتوى مترجم باللغة المراد تعلمها واترك سمعي يلتقط الكلمات والعبارات ويلاحظ القواعد وينتبه لها عن طريق التكرار مع المواقف والكلمات المختلفة، وعندما يعتاد السمع على اللغة، سيكون أسهل على اللسان نطقها، وكلما تتكرر الكلمات سيصبح من السهل على العقل تخزينها واستخدامها، أكبر دليل على فعالية هذه الطريقة هم بعض الأشخاص الذين يتعاملون مع أجانب في محيط عملهم ويتعلمون لغتهم فقط من السماع والممارسة دون تعلم اللغة بطرق تقليدية، وستجد مستواهم أفضل من الطلبة الذين يتعلمون هذه اللغات.
أكبر دليل على فعالية هذه الطريقة هم بعض الأشخاص الذين يتعاملون مع أجانب في محيط عملهم ويتعلمون لغتهم فقط من السماع والممارسة دون تعلم اللغة بطرق تقليدية، وستجد مستواهم أفضل من الطلبة الذين يتعلمون هذه اللغات.
لكن بالنسبة اليهم ربما هذا ضروري لذلك يتعاملون معه.
لكن بالنسبة الينا قد يكون امر مثل تعلم لغة جديدة لايفرض علينا اتباع هذا النهج من التعلم رغم انه فعال وقد نمل بسرعة بسبب التقدم البطيئ.. كيف تتعاملين مع هذا؟
ربما لهذا قلت في مساهمتك السابقة أنه من الاسهل اذا كان مانود تعلمه مجرد هوايه نحبها ونستمتع بها فلا نمل أو يعيقنا التقدم البطيئ..
اختيار أسلوب التعلم المناسب يكون مرتبط بالهدف، إذا كان تعلم لغة جديدة مثلا بهدف الحصول على وظيفة ما، سيكون هدف الفرد هو تعلمها في أسرع وقت، ولهذا سيلجأ لأسلوب تعليمي أقل في الوقت والجهد ليحقق هدفه الأساسي وهو سرعة الحصول على الوظيفة، أما إذا كان الهدف مرتبط باللغة نفسها أو لا يخطط الإنسان لاستغلالها بشكل معين يحتاج منه شروط معينة من حيث الوقت مثلا، فخيار التعلم بالاستكشاف هو الأنسب برأيي، لأنه على المدى الطويل وفي مجال كتعلم اللغات سيجعل الفرد متقنا للغة كأنها لغته الأم وكمتحدثينها الأصليين لأنه في الأساس تعلم منهم مباشرة واستكشف اللغة وقواعدها بمفرده، لم يحتاج لحفظها أو تذكرها، لأن ما يستنتجه الإنسان بنفسه من الأساس لا ينساه.
لم أتطرق الي مساهمتك السابقه ، لكن التعلم بالاستكشاف هو أسلوب رائع ومثير للإعجاب، وهو يعزز من الفضول والإبداع والتفكير النقدي. هذا النهج يساعد على تعلم المهارات الجديدة بشكل أكثر عمقًا وثباتًا، ويعزز من القدرة على التكيف مع المواقف غير المتوقعة.. لكن في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي عدم وجود توجيه واضح إلى ارتباك أو ضياع المتعلم، خاصة إذا كان الموضوع معقدًا جدًا أو غير مألوف. وقد لا يتوفر دائمًا كل الموارد التي يحتاجها المتعلم للاستكشاف. بعض الأدوات أو المواد قد تكون محدودة أو غير متاحة بسهولة..
صحيحه أنه قد يكون جزء أساسي من خطة تعلمنا لكن إذا تم دمجه مع أساليب تعليمية أخرى وتوفير التوجيه المناسب. التوازن بين الاستكشاف والتوجيه يمكن أن يؤدي إلى تجربة تعليمية شاملة وفعالة.
التعلم بالاستكشاف هو أسلوب مميز يتيح للمتعلم التفاعل المباشر مع المحتوى وتطبيقه بنفسه. فيما يتعلق برؤيتي لهذا الأسلوب، أعتقد أنه من أكثر الطرق التي تساهم في تثبيت المعلومات في الذاكرة. على سبيل المثال، عندما جربت التعلم باستخدام برنامج "Asana" لإدارة المشاريع، كنت أستكشف الوظائف المختلفة بالتدريج، وعندما استخدمته بنفسي، كنت أتعلم أكثر مما لو كنت قد شاهدت فيديو تعليمياً.
هذه بالفعل أحد أهم ميزات أسلوب التعلم بالاستكشاف، فعندما تجبر عقلك على حفظ وتذكر معلومة ما ليس كما تجعله بنفسه يتوصل إليها ويدركها، من الطبيعي أنه في الحالة الثانية ستكون المعلومة أكثر ارتباطا بالعقل لأن بذل مجهود أكبر ( عمليات عقلية أكثر) لكي يتعلم المعلومة، وهذه الطريقة تجعل رحلة التعلم نفسها ممتعة أكثر للمتعلم لأنه يشترك فيها كعنصر نشط أكثر فهو يقوم بدورين المعلم والمتعلم فيكون دوره حركي أكثر من مجرد متلقي حافظ للمعلومات.
أنا شخصيًا أجد أسلوب التعلم بالاستكشاف مفيدًا في تعلم الأدوات البرمجية الجديدة أو التقنيات الحديثة. مثلا عندما قررت تعلم استخدام برنامج لتحرير الصور مثل Adobe Photoshop، بدلاً من مشاهدة الكثير من الدروس، بدأت ببساطة باستكشاف واجهته وتجربة الأدوات المختلفة. في البداية، واجهت صعوبة في استخدام بعض الأدوات ولكن مع مرور الوقت، تعلمت بشكل أسرع لأنه كان لدي تجارب مباشرة مع الأخطاء التي ارتكبتها، وعرفت كيف يمكن تصحيحها. كما أنني اكتشفت وظائف جديدة لم أكن لأتعرف عليها من خلال متابعة دروس ثابتة.
لكن لا يمكن أن أنكر أنه كانت هناك بعض اللحظات التي شعرت فيها بالإحباط أو ضياع الوقت في البحث عن الحلول، لكن في النهاية كان الإحساس بالإنجاز أكبر عندما اكتشفت المميزات والأيقونات التي لم أكن لأتعلمها بسهولة إذا اعتمدت على الطريقة التقليدية.
في حين أن أسلوب التعلم بالاستكشاف فعال، إلا أنه قد لا يكون الأنسب لكل شخص أو لكل نوع من المواضيع. بعض الناس قد يفضلون الطريقة التقليدية أو المدروسة حيث يتم إرشادهم خطوة بخطوة.
في حين أن أسلوب التعلم بالاستكشاف فعال، إلا أنه قد لا يكون الأنسب لكل شخص أو لكل نوع من المواضيع. بعض الناس قد يفضلون الطريقة التقليدية أو المدروسة حيث يتم إرشادهم خطوة بخطوة.
هو بالفعل قد لا يكون مناسبا مع بعض الموضوعات، فمثلا لا يمكن تعلم الجراحة بالتجربة أو الاستكشاف، بسبب خطورة بعض الموضوعات أو عدم توافر امكانيات التجربة نفسها، وفي أحيان أخرى قد لا يكون الأسلوب مناسب مع أهداف التعلم، فكما أشرت مثلا أنك احتجت وقت أطول للتعامل بشكل أفضل مع البرنامج، فمن عيوب هذا الأسلوب هو احتياجه لوقت أطول عن غيره من الطرق الأخرى، وبناء عليه إذا كان المتعلم يحتاج لتعلم شيء في وقت محدد لتحقيق هدف أكبر، فالتعلم بالاستكشاف هنا رفاهية لا تصله لهدفه، لهذا بالطبع من الضروري أن يتوافق أسلوب التعلم مع مجال التعلم وأهدافه، ولكن بشكل عام علينا بدمج هذا الأسلوب ضمن نظام تعلمنا طالما كان مناسبا لأنه يكسبنا مهارات كثيرة أهمها القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات.
جربتها بالفعل حين كنت أود تعلم تطبيق Photoshop ولكني مزجت بين التعلم بالشرح والتعلم بالتجربة، فقد كنت أتصفح الأدوات وأحاول القيام بشيء ما، حتى أصل لجدار سد، حينها أذهب سريعًا لأشاهد شرح سريع لتلك النقطة تحديدًا لا يتعدى الدقيقة، وليس دورة كاملة لشرح التطبيق من اوله لآخره، أرى أنها طريقة ممتعة ومليئة بالتفاعل، مشكلتي الوحيدة معها لو كان يداهمني الوقت لتعلم شيء معين فأشعر بقليل من الراحة الزائدة حين أتعلمها بطريقة ممنهجة لأني أشعر وأنني أنجزت شيئًا ولست فقط أبحر في التعلم.
التعليقات