لماذا يحب الأثرياء دائما الظهور بمنظر التقشف، والفقراء عكس ذلك؟

في تفسيري الخاص أن ما ذكرتيه صحيح، أعني شهوات شراء للفقراء، لكن هذا ينبع من أصل واحد، وهو النظرة الخطأ للغنى من قبل الفقرا، فيما ينظر الأغنياء للغنى بطريقة صحيحة، إن الأغنياء هم أكثر الناس القادرين على التقشف، وإلا فما كانوا ليصبحوا أغنياء إذا ما داوموا إنفاق أموالهم على المظاهر، والغنى سلوب حياة، كسر للتقليدي وخوض للمغامرات وتحديات صعبة ومخاطر، وهو ليس كما يظن الفقراء: سيارة وبيت فاره وعطر فواح، وإنما هذه الأشياء الأخيرة أعراض جانبية للثراء، لا تأخذ حيزًا كبيرًا من رأس المليونير الناضج، ذو العقلية الرائدة، والنظرة الثاقبة، لا يعترف الفقراء بأن الثراء والغنا هما مجرد أسلوبين للتفكير، وأن الأشياء باهظة الثمن ليست سوى مظاهر هامشية ملقاة على جانبي رافد رئيسي مليئ بالحياة والتجربة والشغف.

حقيقًة عفاف ظاهرة التقشف لدى الأغنياء قلما نجدها بخصوص الرؤساء، فالأمر ألاحظه بشكل أكبر مع رجال الأعمال وليس الرؤساء، فاعتقد أن رئيس دولة الأوروغواري السابق خوزيه موخيكا هو حالة فريدة من نوعها، يستحق كل الاحترام وأن نرفع القبعة لكل من يحذو مثل هذا الرئيس من الرؤساء الآخرين وخاصًة العرب.

ما رأيك في هذه الظاهرة؟ هل هي مرض نفسي ام مجرد شهوات شراء للفقراء؟ وكيف تفسر الذين هم بالفعل أثرياء لكن يظهررون بمنظر تقشف؟

ربما لعدة أسباب ، قد يكون السبب الأول أنهم يخشون على ضياع ثرواتهم، لِذا يقتصدون في الإنفاق، وأقرب مثال على ذلك ملكة بريطانيا حيث تتخذ من التقشف سياسة لا غنى عنها في حياتها، أو أن الأغنياء يشعرون بأنهم بذلوا جهدًا كبيرًا في الحصول على المال؛ فهم لا يرغبون في أن يذهب المال هباءً منثورًا ربما لوقلت لك مثال بسيط من المدينة التي أعيش بها، فمثلًا عندما يكون اليوم رواتب الحكومة أو المؤسسات الخاصة تجدي السوق ينتعش مع أن رواتب قد تكون نوعًا ما بسيطة مقارنًة بموظفي الآونروا، ففي تاريخ 28 الشهر، يكون الراتب في البنوك، لكنهم لا يحصلون سوى على مبلغ بسيط والباقي للإدخار، فهم يخشون أن لا يحصلوا على راتب في فترة ما، لِذا نجد السوق لا يتأثر بهم مع أن رواتبهم خيالية، لأنه ببساطة موظفي الأونروا يبذلون جهدًا كبيرًا في عملهم وأكبر من موظفي الحكومة.

وربما لو لاحظنا أن ملكة بريطانيا التي تتخذ من التقشف سياسة لا غنى عنها في حياتها.

وربما عفاف كما قلتِ شهوات لشراء االفقراء، واثبات للعالم بأنهم أشخاصًا تعيش عيشة الفقراء، وبهذا تكون شعبيتهم كبيرة، مثل وارن بافييت وغيره، لِذا تجدهم ينفقون أموالهم في أعمال تطوعية.

تذكرت صورة تعبيرية رأيتها صباحا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها مارك وزوجته بثياب بسيطة جدا ومكتوب إلى جانبها أغنياء وفي الجهة المقابلة صورة لرجل وزوجته بثياب رائعة ومكتوب تحتها فقراء، وكان التعليق حولها أنّ كل يحاول اثبات ما ليس عنده. بمعنى أنّ الفقراء يحاولون اثبات العكس وهذا ما يدفعهم لتظاهر. عموما هذا التفسير صالح لأمور أخرى غير الجانب المادي فالأغبياء في القسم مثلا يسارعون للاجابة وابداء رأيهم لاظهار أنهم ليسوا كذلك.

وقد تكون هناك تفسيرات أخرى، مثل أنّ الاثرياء ليسوا بحاجة إلى اثبات أي شيء لأنهم معروفون أساسا بأنهم اثرياء على عكس الغقراء الذين بحاجة للظهور بمظهر لائق لكسب احترام المجتمع الذي يقف على المظاهر.

وكيف تفسر الذين هم بالفعل أثرياء لكن يظهررون بمنظر تقشف؟

أغلبهم يبحث عن الراحة ولا يلوي أهمية للشكل واللباس لأنهم يهتمون بما هو أهم، قبل فترة قرأت أنّ مؤسس فايسبوك يرتدي نفس القمصان حتى لا يضيع الوقت في اختيار ملابسه كل صباح، والملاحظة نفسها تنطبق على العديد من رجال الأعمال، لو تلاحظين ستجدين أنهم يرتدون قمصان بيضاء أو سوداء فقط، وأحسنهم يرتدي بدلة سوداء بقميص أبيض، لو لم أكن أعرفهم لأعتقدت أنهم لا يغيرون ملابسهم أبدا.

الأثرياء الذين يظهرون بمظهر بسيط، هم من وصلوا لهذا الثراء نتيجة لنضج عقولهم، والأشخاص ذو العقول الناضجة يهتمون بالجوهر أكثر من المنظر، فهم ليسوا بحاجة للمغالاة الخارجية حتى يثبتوا أنهم ذو قيمة وسط المحيط المتواجدون به، بل هم يرون أن قيمتهم داخل أنفسهم.

أما الأشخاص العاديون يلجأون لتعويض "عاديتهم" وسط الأخرين، بالمغالاة في الملابس حتى يشعروا أن مظهرهم الخارجي أفضل من غيرهم، وهذا يشعرهم بإرتياح نفسي أنهم تميزوا في شئ.

لكن ليس كل الأغنياء يظهرون بمظهر متقشف، فهناك من يغالي ويتفاخر بأنه أصبح غني، وهذا أسوأ بكثير من الأشخاص العاديون، وهؤلاء من يعانون فعلاً من الأمراض النفسية، وأوضح مثال على هؤلاء ما يفعله دائماً محمد رمضان، بإستعراضه للحيوانات النادرة التي يمتلكها والمطاعم والسيارات وغيرها الكثير، أو ما يقوم به مطرب المهرجانات حمو بيكا، فهو أيضاً يستعرض دائماً سيارته الذهبية، ويرتدي الكثير من الذهب بشكل مبالغ فيه.

وهناك أشخاص عاديون من الناحية المادية، ويظهرون بملابس بسيطة، كالدكتور محمد مشالي طبيب الغلابة، فليس كل ثري بسيط ولا كل فقير متفاخر، فالثراء الحقيقي في العقول وليس في البنوك

لا يمكن الجزم بأن الأغنياء هم أكثر الناس قدرة على التقشف، فالتقشف يعني الحفاظ على المال وتخفيض الإنفاق، وهذا لا يعني الاستثمار في الذات والتعلم والتنمية الشخصية. فالأغنياء يدركون أن الاستثمار في النفس يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والإبداع وتحقيق المزيد من النجاح.

وبالنسبة للاعتقاد بأن الغنى هو سلوب حياة يكسر التقليد ويتضمن مخاطر وتحديات، فهذا يعتمد على الشخص نفسه وأولوياته. فمن الممكن أن يختار الأغنياء العيش بحياة بسيطة ومتواضعة، ومن الممكن أيضًا أن يختاروا العيش بحياة باذخة وفخمة.

وعلى الرغم من أن الأشياء الثمينة لا تشكل جزءًا كبيرًا من حياة الأغنياء، إلا أنها تعتبر جزءًا منها وتمثل مظهرًا من مظاهر النجاح والثراء. وبالطبع يوجد جانب آخر للثراء والنجاح يتمثل في المسؤولية الاجتماعية والتبرعات والعمل الخيري، وهذا ما يتميز به الكثيرون من الأغنياء.