( 1 )
في وقت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والغرب ، يُقال أن السوفييت تمكّنـوا من تجنيد عميل بريطاني يشغ منصباً مرموقاً في مؤسسة مهمة في بريطانيـة.
بالصدفة البحتة ، البريطانيّون أوقعوا به واستطاعوا القبض عليه .. وبدأوا في استجوابه..
أخبروه أنهم لم يجدوا أي مراسلات او شفرات لنقل معلومات مهمة للسوفييت ، أو حتى معلومات تفيد انه جاسوس .. فسألوه مـاذا كان دوره بالضبــط ؟
قال لهم ان التكليف الوحيــد الصــادر إليه من السوفييت لا يحتاج إلى رسائل أو اتصالات دورية .. فقط كل اللى كان مطلوب منه :
اختيـار الشخص الأقـل كفاءة لتعيينه في كل منصـب يخلــو فى مؤسسته .. واستبعاد أي شخص يبدو عليه الكفاءة ، ونقله وطرده..
فقط لا غير .. دوره الوحيد ، لا معلومات ولا شفرات سرّية ولا يحزنون .. فقط أي مكان يخلو في المؤسسة ، يقوم بتوظيف شخص أحمق قليل الكفاءة فيه ، ويستبعد أي شخص يبدو عليه الذكـاء والفهم..
وهكذا ، يتحقق تلقائيـا هدف السوفييت من تجنيـده ، وهو إضعاف المؤسسة البريطانيـة المهمة التى يعمل لديها .. فالإنهيـار التدريجي ، ثم الفوضى الكاملة ..
قصة شهيرة في أدبيات الجاسوسية ، بعضهم يقول حقيقية والآخر يقول رمزية ..
======
( 2 )
بشكل أو بآخر ، لم أعد اتعامل مع هذه القصة بإعتبارها جزء من نظرية المؤامرة .. بقدر ما أصبحت أعتبرها ( نظرية كل شيء ) كمـا يقول الفيزيائيّـون The Theory Of Everything ، بخصوص أي ظواهر في طبيعية الحياة في العالم العربي بشكل عام.
هي التفسيـر المقنع الوحيد لحالة ( صعود الحمير ) كما احب أن أسمّيها دائماً ، والتي نرصدها جميعاً حولنا طوال الوقت ، وتجعلنا نضرب اخماساً بأسداس .. ليس فقط على مستوى قادة الدول ، وإنما أيضاً على كافة المستويات الاجتماعية حولنا.
المدرّس الأحمق هو الناجح دائماً ، ويصل لمرتبة الوزير في زمن قياسي ..
الموظف الحقير المرتشي هو الأقرب للحصول على ترقية ..
رجل الدين المحترف في تصدير خطاب ساذج لا علاقة له بأزمات العصر من قريب أو من بعيد ، هو الذي ينال أكبر قدر من الأضواء ..
إعلاميّــون تشعر انهم ليس لديهم درجة في الشهادة الابتدائية حتى ، يتصدّرون المشهد ويعظونك طوال الوقت ..
الممثل الذي يستعرض دائماً دور ( البلطجي ) هو الذي يحصد الأضواء.
المسئول الفاشل يستمر ، والناجح الذكي يُستبعد ويُنفى ..
قم بإحضـار الأخرق وقم بتلميعه وإظهـاره .. واستبعد صاحب الكفاءة ، واطرده ، أو هاجمــه بضراوة ..
=======
( 3 )
لو كانت النظرية صحيحة فهي مصيبة .. ولو كانت خاطئة ، فالمصيبة أكبـر ..
لو كانت خاطئة ، فهذا يعني اننا وصلنا لمرحلة قياسية من تردّي المجتمع ، تجعل كل هذه المهازل التي نعيش فيها تعتبر افرازات حقيقية لمجتمعاتنا ، التي تدفع الامور دفعاً الى أن ( الأغبى يسود ) .. ومن لديه بعض العقلانية والفكـر والنجاح ، يُطرد تلقائياً ..
فالأسهل ، والأكثر راحة لجهازك العصبي هو أن تعتنق هذا الجانب من نظرية المؤامرة وتدافع عنه بإستماتة ، لأنه على الأقل يحمل لك بعض التفسير المنطقي للكوارث التي تراها حولك طول الوقت ..
لأن البديل مفزع ..
التعليقات