نظرية الغرس الثقافي تقيس تأثير وسائل الإعلام في زرع أفكار معينة لفترات طويلة في أذهان الناس، خصوصًا لدى الأفراد الذين يتعرضون بشكل متكرر لمحتوى معين، مما يؤدي إلى تكوّن صور نمطية. ركزت هذه النظرية على تأثير التلفزيون في تشكيل أفكار الأفراد، وأعتقد أنه لا يمكن إنكار أن التلفزيون قد ساهم في تشكيل أفكاري خلال طفولتي؛ فقد كنت أعتقد أن العالم لا يتألف سوى من الصين وأمريكا والهند، وكنت أصف أي شخص جميل بأنه يشبه الصينيين أو الهنود، وذلك بسبب أن التلفزيون قدم لي صورة نمطية وفكرة إيجابية عن هذه الدول. لكن مع مرور الوقت واكتسابي الخبرات، تغيرت رؤيتي للأشياء، وأصبحت أقل تأثرًا بما أراه في وسائل الإعلام، وأصبحت أُركّز على الواقع وأتجاهل المحتويات غير الواقعية، متقبلًا فقط ما أراه مناسبًا أو إيجابيًا.

من عيوب نظرية الغرس الثقافي أنها لم تأخذ في الحسبان أن خبرات الناس تلعب دورًا مهمًا في تلقيهم للمعلومات. ورغم أن النظرية تركز على تأثير التلفزيون وتفترض أن من يشاهدونه بكثرة يتبنون نفس الأفكار، إلا أن هذه الفكرة تنطبق على العديد من وسائل الإعلام الأخرى، وهو ما يُسمى بسيادة الأفكار، حيث نرى في وسائل التواصل الاجتماعي أن الأشخاص الذين يتابعون نفس المحتوى غالبًا ما يتبنون آراء مشابهة تجاه قضايا معينة.

نظرية الغرس الثقافي قد تؤثر في مشاعرنا وسلوكياتنا اليومية. في كتاب "المرجع الأساسي للغة الجسد"، ذُكر أن الأشخاص الذين يشاهدون أفلامًا غربية قد يتبنون لغة الجسد المستخدمة فيها مع مرور الوقت. وهذا بالفعل ما نراه في الواقع؛ حيث نلاحظ أن الأشخاص يقلدون حركات لغة الجسد التي يتعرضون لها بشكل متكرر، مثل حركة القلب باليد، التي تطورت مع الزمن والأغلب يفعلها بنفس ما يشاهدها على وسائل الإعلام.

كما ذكرت النظرية أن وسائل الإعلام قد تبالغ في نقل القضايا البسيطة، فتُحول الأمور الصغيرة إلى قضايا كبيرة يعني تصنع من الحبة قبة، وهو ما نراه في بعض وسائل الإعلام التي تحاول تضخيم الأخبار. 

أعتقد أن نظرية الغرس الثقافي مفيدة، وأرى أنها سلاح ذو حدين. ويجب على وسائل الإعلام المحلية استخدامها بشكل إيجابي ومحاولة التأثير بالناس بشكل إيجابي وليس بشكل سلبي وعدم غرس مواد العنف والسلبيات التي قد تكوّن صور خاطئة