لماذا عندما نتحدث عن تأثير الشعائر في الأخلاق والسلوك وانعكاس ذلك على الحياة بوجه عام، نواجه بنظرة استغراب أو استصغار وتجاهل؟ والمؤسف، أن هذا الأمر يأتي من أشخاص مسلمين مثلنا، وبالأخص تلك الفئة المثقفة أو من يدعون الثقافة. بالنسبة لهؤلاء، الشعائر والمبادئ الإسلامية أمر ثانوي؛ الإسلام عندهم هو حوار عن صراع الحضارات وإشكاليات الحداثة ومعضلة حقوق المرأة ومحاولة مساواتها بالرجل. كأن ثقافتهم المزعومة تلك أسقطت عنهم الفروض والتكاليف، ومنحتهم حصانة وقداسة دينية...
وهم الاستعلاء الثقافي والأخلاقي
لا أحد يمكنه إنكار أن الشعائر لها تأثير على الأخلاق والسلوك، حتى أن هناك دراسات أجنبية حول ذلك والتي تؤكد أن الصلاة المنتظمة مرتبطة بانخفاض مستويات التوتر، وضبط النفس، أما لماذا يستبدلون هذه المواضيع بالمواضيع الفكرية ربما لأنها الأسهل لهم من حيث النقاش، والتي بها مساحة لإبداء الرأي، لكن الأمور الدينية محسومة حتى لو لم يكونوا مقتنعين لا أحد مسلم سيتمكن من نقاش أمور ثابتة ومحسومة مثل الشعائر الدينية
مساء الخير...
لا أعتقد انهم يجهلون هكذا مؤلفات وكتب ، لكن بنظرهم غير مواكبة و غير كافية لاحدث نهضة عصرية
،الازدراء بالشعائر ينتج عنه فراغ روحي مع مكابرة، لذا يناقشون الإسلام كأي قضية فكرية سائلة -فلسفية أو ايديولوجية جدلية- وينسون أن منهج الإسلام فكر وعبادة وسلوك وأعمال وتحضر، لا ترف ثقافي وشعارات تنظيرية ، وحجتهم جاهزة بالتأكيد فيما ذهبوا إليه :
انظر الي واقعنا الكارثي وواقع النماذج الأخرى كيف تقدمت (مادياً) بعد طلاقها للدين.
لكن طلاق المجتمعات الأخرى من الدين كان سببه التطرف وانتشار الظلم والتفرقة بادعاء أن ذلك من الدين، ولأنه كانت تُرتكب فظائع وسلب للحقوق باسم الدين وكانت هناك سلطة كبيرة لرجال الدين ليفعلوا ما يريدون، لكن بالنسبة للدين الإسلامي فالأمر يختلف، فهو يدعو إلى العدل والمساواة بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه، والمرأة فيه لها حقوق لم تكن موجودة بأي دين قبله.
الاسلام منذ أول خلق آدم يدعو للوحدة ومكارم الأخلاق، من سيدنا إلى آخر مسلم على وجه الأرض. وبقية الشارائع السابقة وأقصد السماوية، حُرِّفت عن منهجها الصَّحيح. أمَّا بالنِّسبة للوثنية منها، سواءا عبداة الأصنام،الأشخاص أو عبادة الذات، بالإضافة إلى ما انشق عن الاسلام والاسلام بريء منه فهو يدعو للتفرقة والطبقية.
الاسلام يضرُّ مصالح بعض الناس في انتهاك الحُرمات لذا يتعرض للهجوم الشديد من هذه الفئة، يجندون أشخاصًا لا مبدأ لهم، ضائعين لا إلى دينهم التزموا، ولا إلى تقدم البشرية ساهموا.
مساء الخير ... هم على دارية تامة بكل ما ذكرتي اختي سهام ، لكن يعتبرون أن ما قام به الاسلام في الماضي داخل في حكم التراث التاريخي الغابر،كنظرة البعض لشعر المعلقات اليوم ، هي شيء عظيم وأناء لغوي مفيد للمتخصصين في اللغة فقط ، لكن لا تناسب زائقة انسان القرن العشرين المتحضر ولا ترضي ذوقه الرفيع .
الآراء التي تنظر للدين نظرة علمية بحتة موجودة في كل الأديان، أعتقد أن سبب ذلك هو محاولة ادّعاء الثقافة، أو الكسل النفسي عن أداء الفروض الدينية والبحث أكثر عن الآراء المخالفة للكتب المناهضة للأديان. لذلك أراك أحسنت باختيار العنوان: "وهم الاستعلاء الثقافي والأخلاقي"
لكن أجمعت الأديان كذلك أن الفروض كالصلوات لها تأثير إيجابي على الذات، ومع ذلك لا يجب الاكتفاء بها، بل أن تمتد إرادة الإنسان للعمل والمعاملة الحسنة، وفصّل ذلك الإمام الغزالي في كتابه "خلق المسلم"
يسعد مسـاك،،
النظرة العلميةللأديان إذا كانت محايدة ستدعم الإيمان بالدين ، لكن فكرة حصر الدين في تأدية الشعائر واعتباره مصدراً للبركة فقط، ثم تبني مرجعيات بشرية كمنهج حياة بديل، ما هي إلا مجرد عملية تدوير لإزماتنا وصناعة اشكالات متوهمة لا تزيد الأوضاع إلا تعقيداً. ربما يكون البعض على حق عند رفضهم لعملية استدعاء (واستنساخ) كل وقائع الفقه والتاريخ الإسلامي السابقة واسقاطها على واقعنا الراهن كما هي ، بحجة عدم المواكبة، وعدم تلبيتها لاحتياجاتنا في مختلف السياقات المتغيرة . لكن الفقه ما هو إلا علم اجتهادي يحاول تفسير النصوص واستنباط الاحكام منها وهناك قطعيات كبرى لا ينسحب عليها مسألة الإجتهاد، وكذلك التاريخ الإسلامي(مابعد العصر النبوي) امتداد لهذا الفقه وتجارب تطبيق عملي له وغير ملزمة ، بل التاريخ و الفقه كلاهما يتجدد ليتماشى مع عجلة النمو و التقدم.
لكن على مر العصور يبقى الوحي بشقيه (كتاب وسنة) هو النص المعياري المؤسس للتصورات الحياتية في جميع الأطر المنظمة لعلاقات الأفراد و المجتمعات والدول، وغير مصادم للتطوّر بالطبع .
عند رفضهم لعملية استدعاء (واستنساخ) كل وقائع الفقه
قرأت أكثر من كتاب فقهي للشيخ العز بن عبد السلام، والأستاذ عبد الكريم زيدان، والإمام الغزالي كما ذكرت في تعليقي سابقاً، وبالفعل يكون من الجيد وجود فقهاء في عصرنا يستلهمون روح الفقه في الأمور الدنيوية ويذيعونه حتى يرشدوا الناس للطريق الأفضل، أعتقد أن الشيخ عثمان الخميس أطال الله عمره متمكن من الفقه وملاءمته لروح العصر.
مساء الخير... الفقهاء الذين ذكرتهم كمثال على المرونة الفقهية ولهم القدرةعلى تنزيل النصوص لواقع صحيح افذاذ ، لكن ما ساعدهم اكثر غلى البروز هو وجود السلطة السياسية الداعمة لهم و اخذها بآرائهم على محمل الجد . وبرأي مدى حجم المسافة بين السلطة السياسية ورجال الدين دائماً ما تكون هي العامل الاساسي الذي يحدد إن كانت النخب المثقفة المختلفة على حالة رضى (نسبي) عن نظام دولتهم أو ستبحث عن بدلائل ،وهذا ليس تبريراً بالطبع لكن مجرد وصف لاسباب ظهور المشكلة .
المشكلة أن الغرب بصدرون لنا أفكار أو رؤى فكرية هم في الحقيقة لا يؤمنون بها ساعة الجد ويتلقفها من يتوهمون - كما تقول انت - أنهم مثقفون ويصدعون رؤوسنا بها. المشكلة أيضًا أنهم لا يدخلون ميدان للثقفاة يدعونه غير ميدان الدين ونقده هذا لأنه سهل ومربح أكثر ولا تراهم مثلاً يدعون ثقافة في باقي ميادين العلوم لانها بعيدة عنهم تكلفهم الكثير وقد لا تربحهم إلا قليلاً أيضًَا.
الناس أصبحوا يفصلون الدين عن الحياة اليومية كأن الدين مكانه فقط في المسجد أو في المناسبات الدينية أما العمل والأخلاق والمعاملات هي عندهم شيء منفصل هذا انعكاس لفكر مادي انتشر مع الوقت يركز على الإنجاز والمصلحة المباشرة ويتجاهل البعد الروحي بينما الحقيقة أن الشعائر إذا فهمناها بعمق هي جسر يربط بين الروح والسلوك وبين العبادة والحياة
مرحبا اختي مي..
أنت محقة تماماً في توصيفك لهذه القضية على أنها انعكاس للفكر المادي ( البرغماتي) الذي يجعل معيار القيمة هو المنفعة المادية التي تحقق المصلحة المباشرة ولو على المدى القريب ،مع تجاهل متعمد للبعد الروحي والأخلاقي الذي يمنح الحياة معناها الحقيقي. كلماتك ذكرتني قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فهذه هي الرؤية الشاملة التي تجعل الأفعال و الأعمال الحياتية كلها عبادة .
التعليقات