صورةٌ اخرى لوباء او ارهاب او لعله ريح تحمل السقم متسللةٌ إلى نسيج المجتمع، يبدأ بتشكل الضباب ملاشياً وهج الأمل. البث المحبط السلبي، يعمق الجروح ويزرع بذور اليأس في قلوب الناس، ويغلف الأفكار بغيوم داكنة تعكر النظر وتعرقل المسيرة نحو التقدم والازدهار. فعندما يغمر الإحباط المجتمع، يتحول الحلم إلى كابوس، والطموح إلى إحباط، والأمل إلى استسلام. طامسا الإيجابية والإرادة، محولا الأفكار المبدعة إلى زاويت يأس.

عندما يتجاوز الإعلام دوره الرئيسي ويغوص بلا رحمة في بحر الإحباط والسلبية، يصبح لهذا السلوك تأثيرٌ قويٌّ على الفرد والمجتمع بأسره. فالإعلام، بوصفه المرآة التي ينظر من خلالها الناس للعالم، يمتلك القدرة على تشكيل وجهة نظرهم وتوجيه مشاعرهم وسلوكياتهم. وفي هذا العصر الرقمي الذي يعج بتدفق المعلومات، أصبح من السهل جدًا لوسائل الإعلام أن تنقل الأخبار والأحداث بشكلٍ سريع ومتسارع، ولكن هذا السرعة والتسارع لا يعني بالضرورة نقل الصورة الكاملة والمتوازنة. بدلاً من ذلك، يميل الإعلام في كثير من الأحيان إلى تسليط الضوء على الجوانب السلبية والمشاكل، مما يفقد الناس الثقة في المستقبل ويثير القلق واليأس.

ولعل تأثير بث الإحباط والسلبية يمتد بعيدًا عن مجرد شعور الفرد بالتشاؤم، بل يؤثر على صحة المجتمع بأكمله. فالأفراد الذين يتعرضون بشكل مستمر لهذا النوع من البرامج والأخبار قد يشعرون بالإحباط والعجز عن تغيير الأوضاع السلبية، مما يؤدي في النهاية إلى انخفاض مستويات الرضا والسعادة وزيادة معدلات الاكتئاب والقلق.

ومع ذلك، ينبغي علينا أن ندرك أن الإعلام ليس السبب الوحيد وراء هذا الظاهرة السلبية. فهناك عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية تلعب دورًا مهمًا أيضًا في تشكيل البيئة الإعلامية وتوجيهها. لذلك، يجب على وسائل الإعلام والمجتمع بأسره العمل سويًا لتعزيز روح الإيجابية والأمل والتركيز على الحلول بدلاً من التركيز على المشاكل المستمرة. حيث ان الإحباط والسلبية يعتبران من العوامل التي تؤثر بشكل كبير على المجتمعات. فعندما ينتشران بين الأفراد، يصبح لهما تأثير كبير على العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية للأفراد. ومن اهم الاثار التي قد تحدث على التصرفات الاجتماعية للأفراد:

·       تأثير على المزاج والتصرفات الفردية: فعندما يتعرض الأفراد للإحباط والسلبية المستمرة من خلال وسائل الإعلام، فإنه يمكن أن يؤثر على مزاجهم ويجعلهم يشعرون بالتشاؤم والاكتئاب. وهذا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تصرفات سلبية مثل الانعزال والتجنب الاجتماعي والعدوانية.

·       تأثير على العلاقات الاجتماعية: يعتبر الإحباط والسلبية المستمرة عبر وسائل الإعلام عاملاً مهماً في تدهور العلاقات الاجتماعية. فعندما يشعر الأفراد بالإحباط والسلبية، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أقل تسامحًا وأقل موافقة على الآخرين، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات والانقسامات في المجتمع.

·       تأثير على الثقة والتعاون: بث الإحباط والسلبية يمكن أن يؤثر على مستوى الثقة بين الأفراد وبينهم وبين الجهات الرسمية والمؤسسات. عندما يشعر الأفراد بالإحباط والسلبية، فإنهم يصبحون أكثر تشكيكًا وقد يفقدون الثقة في الآخرين وفي النظام بشكل عام. هذا يمكن أن يؤثر سلبًا على التعاون والتضامن في المجتمع.

·       تأثير على قرارات المجتمع: يمكن أن يؤثر بث الإحباط والسلبية عبر وسائل الإعلام على قرارات المجتمع بشكل عام. عندما يتعرض الأفراد للإحباط والسلبية المستمرة، فإنها قد تؤثر على قدرتهم على اتخاذ قرارات موضوعية ومنطقية، وقد يتأثرون بشكل أكبر بالتأثيرات السلبية والمشاعر السلبية الأخرى.

وللتغلب على تأثير بث الإحباط والسلبية عبر وسائل الإعلام، يتعين علينا اتباع استراتيجيات متعددة تستهدف تحويل الرؤية الإعلامية إلى تجربة إيجابية وملهمة. منها تعزيز التوعية والتثقيف حيث يجب على الجمهور أن يكون واعيًا لتأثير الإعلام على مشاعرهم وسلوكياتهم. والتشجيع على تعزيز الوعي بمهارات الإعلام والنقد الإعلامي لتمييز الأخبار الموثوقة والمتوازنة عن الأخبار السلبية المبالغ فيها.

وكذلك يجب تعزيز البرامج الإيجابية اذ ان على وسائل الإعلام توفير المزيد من المحتوى الإيجابي الذي يلهم ويشجع. من خلال إنشاء برامج ترفيهية، وثائقية، وأخبار تركز على الحلول والنجاحات في المجتمع بدلاً من التركيز على القضايا السلبية فقط. كما يمكن التغلب على تأثير بث الإحباط والسلبية من خلال تشجيع القصص الملهمة والإيجابية التي تبرز الروح المثابرة والنجاح، سواء كانت قصص شخصية أو قصص نجاح في المجتمع، لتشجيع الأفراد على التفاؤل والعمل الجاد نحو تحقيق أهدافهم. كما يجب التشجيع على المشاركة المجتمعية الإيجابية من خلال تسليط الضوء على الأنشطة والمبادرات التي تعمل على تحسين الحياة في المجتمعات المحلية. كذلك التنويع في المصادر الإعلامية بما في ذلك البحث عن مصادر إعلامية إيجابية وملهمة من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

خلاصة القول، يتطلب التغلب على تأثير بث الإحباط والسلبية عبر وسائل الإعلام جهودًا متعددة الأوجه، تتضمن تعزيز الوعي والتثقيف، وتقديم محتوى إعلامي إيجابي وملهم، وتشجيع المشاركة المجتمعية الإيجابية. من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكننا خلق بيئة إعلامية تعزز الأمل والتفاؤل في المجتمع.