كلنا شعُرنا يوماً بغضب عارم وكره غريب لحبيب في لحظة هجران، وحاولنا بإستماتة محاولة استعادته، الرعب من فقدانه والقلق من أن يتحقق الانفصال، ولكن أليس هذا غريبا ! ما الذي يدفع الأحبة المهجورين إلى ذروة الغضب المشتعل؟ بل ويشتعل الغضب أكثر إذا حاول الطرف التارك أن ينهي العلاقة بلطف ويخفف عن المهجور، فيتحول على نحو عنيف، من الشعور بالحنين واللهفة إلى ذورة الغضب.

في التفسير العلمي الذي تقدمه هيلين فيشر عن كمياء الحب، فإن الحب والكراهية مرتبطان في جدلية متشابكة في المخ، لدائرة الكهربية الأساسية للكراهية/الغضب تسير نحو مناطق الفص الصدغي الموجود أسفل منطقة تحت المهاد ونحو مراكز المنطقة الرمادية، منطقة المخ المركزية، السر هو أن المناطق المسؤولة عن الغضب في المخ مرتبطة بقوة بالمراكز التي تقع فيها عملية المكافأة وتوقعها في المخ، فعند استشعار أي مكافأة تتحفز مشاعر الغضب لحماية ما يمكن أن يهدد حصولنا على تلك المكافأة، يسمي العلماء هذه الظاهرة "ظاهرة عدوان الإحباط" وهي نفس الحالة التي تقع لقط مثلا عندما نعده بعلبة تونا فيشعر بسعادة غامرة، ثم تخفيها أمامه، فينقض علينا وتعضّ بعدوانية شديدة.

فهذا الشعور بالغضب هو آلية للفوز بالمحبوب والتوحد معه من جديد، وأحيانا ينقلب إلى رغبة في الانتقام منه لأنه هجر، لكن لماذا يحول هذا الشعور بالغضب إلى كره فمن غير المنطقي أن الكره يجذب المحبوب إلينا؟

تجيب فيشر أن الغضب في هذه الحالة تطور ليخدم هدف آخر وهو دفع العشاق المحبطين الذين تم التخلي عنهم لكي يلعقوا جراحهم وينطلقوا في البحث عن حب جديد وبالتالي تضمن البيولوجيا استمرار الجينات البشرية، لأننا لو بقينا عالقين في حب من هجرنا فلن نبحث عن حب غيره ويتوقف التطور البشري.