إذا أردتَ سماعَ المقال، هذه نسخة صوتية عفوية أعددتها عن ركائز المقال الأساسية، يمكن الاستماع لها من هنا:
هذا المقال يُكمل البناء على سلسلة بدأتها منذ أسبوعين، هذه السلسلة تحاول أن توضّح خارطة طريق عملية، لتحويل مسار قراراتك اليومية، من قرارات تُلاحق التشتّت الرقمي والدوبامين، إلى قرارات أخرى تستجيب مع الأهداف الكبرى التي تريدها من حياتك.
وقررتُ اليوم معالجة موضوع عملي لنتعلَّم منه، وهو موضوع مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، أو حتّى مشاهدة المباريات الرياضية. كلاهما سيّان، ترفيه لا ينعكس بشكل صحي على حياتك، وفي نفس الوقت يمكن أن يشغلك لساعات طويلة.
إذا شاهدتَ حلقة من مسلسل مُغري، قد تضيّع اليوم لإكمال الموسم كلّه في سبيل إكمال القصّة.
إذا ترقَّبت مباراة فريقك المفضّل، ستقضي الوقت في متابعة أخبارها، ثمّ متابعة المباراة نفسها، وبعدها آراء الناس والتحاليل. وبالتالي يضيع جزء كبير من اليوم.
مثالان يتكرّران دائمًا، ويبدو لوهلة هو الحياة الطبيعية للناس في هذا العصر. وكون الأمر طبيعيًا لا يعني صحّته. لنكن صريحين، يوم يضيع على مشاهدة مسلسل، يعني يوم أقل على ملاحقة أهداف حياتك الحقيقية. يعني وقت لن تستعيده في التقدّم خطوة للأمام.
هذا وأنا لم أتحدَّث عن الآثار السلبية، لم أتحدَّث عن ما في المسلسلات من ترويج لأفكار ضارّة، أو شعورك بأنّك مكتئب ومحبط بعد أن تُنهي موسمًا كاملًا من مسلسل في يوم، أنا أتحدَّث من ناحية الوقت المصروف فقط!
والآن، مع الخطوات الثلاثة التي ستجعل المسلسل والمباراة أقل جاذبية لك:
1- لماذا أتابع أصلًا؟
إذا سألتَ نفسك -حين تحاول أن تتوقّف عن متابعة مسلسل- عن سبب متابعتك؟ قد تستجيب بحنين: "أريد أن أتابع ما يحدث!" وهذا هو الجواب السطحي. لكن الجواب الأعمق يتضمّن أحداث وأشخاص القصّة نفسها.
عن نفسي، قد أنجذب لمسلسل فيه شخصية تعجبني صفاتها، تشبهني في ناحية، أو أريد التمثّل بخصالها في ناحية. المشكلة في المسلسل أو الفيلم، أنّ القصة وصفاتها تجعل هذه الشخصية تحت الضغط، تجعلها تمر بارتفاعات وانخفاضات، بشكل يبقيك منتبهًا متشوقًا إلى ما يحدث.
كل انخفاض يجعلك تتوق إلى عودة الشخصية إلى مكانها الطبيعي، إلى مكانها العالي بين الناس، إلى أن تحصل الشخصية على التقدير الذي تستحقّه.
2-ماذا تتمنّى أن يحدث؟
حين أسأل نفسي هذا السؤال، أتمنى عادة أن يحدث شيء جيّد للشخصية. أن يكنّ الناس لها التقدير والاحترام. حاول أن تجد السبب الخاص بك والذي ترتضيه لشخصية المسلسل.
3-تخيّل أنّك حصلت على ما تتمنّى
إيه! هكذا! تخيّل أنّك حصلت على أقصى مناك، وغاية ما ترجو من هذه الشخصية. أن يخرج من السجن؟ أن يعود احترامه بين الناس؟
بدلًا من أن تنتظر إلى نهاية المسلسل، إذهب للنهاية بنفسك، واحصل على الذي تريده، وتمنّاه بشكل "يدوي". ستجد حينها أنَّ الدافع الذي يجعلك تُكمل المسلسل لن يكون بنفس القوّة. خصوصًا عندما تحاول أن تلمس أفضل شعور يُمكن أن تحصل عليه، وفي نفس الوقت يكون هذا الشعور مُرضيًا، لكنّه ليس "فوق السماء"
عندما نكون في القصّة وحبكتها، ننسى أن المسلسل له حد، أنّ الشيء الجيد الذي يُمكن أن يحدث للشخصية سيكون محدودًا. عندما نكون داخل القصّة، نتخيّل أنّ النهاية كما لم تسمع أذن أو يتخيَّل خاطر.
صحيح أن الأحداث التي يمكن أن تحدث هي غير متوقَّعة، لكن الأحاسيس محدودة. لن تخرج عن أشياء أساسية (نجاة، نجاح، تقدير...)
بتجريد أفضل "إحساس" يمكن أن تحصل عليه الشخصية، لن تعود القصّة تملك سطوتها عليك، لن تكون جذّابة كما كانت. لقد أضعفتَ شيئًا من الروابط التي تجرّك للقصة.
مثال عملي حصل لي أمس
أحبُّ كريستانو رونالدو. كبرتُ على أهدافه وانتصاراته. يوم أمس واجه فريقه (مانشيستر يونايتد) فريق ليفربول، والمدرِّب أجلسَ كريستانو على مقاعد البدلاء، بحجّة أنّه شيخ عجوز، لا يقوم بالضغط العالي، والمباراة تتطلَّب حركية خصوصًا أنّها ضد فريق يعتبر الأفضل في العالم.
بقيتُ أترقَّب نزول كريستانو، بقيتُ أتابع المباراة وكلّي مشاعر سلبية. أردتُ كريستانو أن ينزل، وأن يسجِّل، ويُسكت من تطاول عليه، ويحتفل احتفاله الشهير في الملعب، كنتُ أريد أن أشعر بالتقدير الذي حصل عليه كريستانو.
لو حاولتُ إخراج نفسي من تلك المحنة. كان عليَّ أن أتخيّل نزول كريستانو للملعب، تسجيله لهدفين، وهو يركض ركضات اليافعين، أتخيّل أنّي أنشرُ بيتَ الكحلبة على ركضة هدفه:
هيَ الفرسُ التي كَرَّت عليهم ... عَليها الشيخُ كالأَسدِ الكلِيمُ
كان يجب أن أتخيّل أفضل ما يمكن أن يحدث، وأحتفظ بالشعور الذي أريده وهو التقدير لكريستانو، وأذهب إلى الخطوة التالية
اعلانات عقلية تعمل على التوازي
خطوة اضعاف الروابط مع القصّة كانت مهمة، لأنّها تقلل من "مخالب الجذب" التي يمكن أن تجرّك ثانية للمتابعة. لكن يجب أن تتبعها بقرار إضافي، بخطوة عملية على أرض الواقع تدعم هذا التفكير.
وهذه الخطوة تتم بالإعلانات العقلية. أن تشغل إعلانًا عقليًا لنفسك، يعتمد على نفس الفكرة التي جذبتك للقصّة، لكن في لعبة حياتك الخاصة.
ماذا لو قُمتَ بهذا العمل في حياتك، وحصلت على التقدير الذي أردته من المسلسل وكريستانو؟
لكي تكون هذه الإعلانات قوية، يجب أن تُصاغ بطريقة تجعل عقلك يُريد فعلًا الذهاب معك بدلًا من الذهاب في قصّة فارغة. وهذا ما سأبسطه في المقال القادم، فانتظروه!
لقراءة باقي أجزاء السلسلة اضغط على الرابط التالي
التعليقات