انتشار التفاهة ذنب من؟ صانع المحتوى أم المشاهد؟

نعم المسؤول الأول عن انتشار المحتوى التافه هو المتفرج وليس الصانع، فالاهتمامات اليومية للشعوب تُحدد المحتوى الأكثر انتشارا، حيث ترتبط شبكات التواصل الاجتماعي بأرض الواقع، وجمهورها يختار نوع المحتوى المنتشر الذي يُعرض على شاشتنا "الفيسبوكية" أو "اليوتيوبية"، فلا نكن مُروِّجين للمحتوى التافه ولا نساعد على نشره دون المحتوى الهادف..

ولأن المنشئ يستهدفنا نحن لنكون الأداة التي تروج له؛ فنكن نحن أحد لبِنات السد الذي يحيل بين صانع التفاهة وانتشارها. إن الذي يمنع انتشار المحتوى الهادف بالمرتبة الأولى؛ هو المتتبعون والمستهلكون، حيث إن ارتباط شبكات التواصل الاجتماعي بأرض الواقع، يشكل نقطة محورية في نوع المحتوى المنتشر..

يجب التفكير في العواقب التي ستخلفها هذه المشكلة، فالتفاهة ليست أمرا عاديا كما نظن، وإنما تتجاوز ذلك لتتحول إلى مشكلة معقّدة، بل إلى مجموعة من المشاكل التي لا تحمد عقباها والتي ستشكل تحديات فيما بعد للجميع

كلٌ من المشاهد وصانع المحتوى مذنبان بلا شك

لا أفهم تذنيب كهذا بحق الناس؟! هذا الموضوع ترفيهي بحت، وجود التفاهة غير متعارض نهائياً مع وجود النضج والعمق بالمجتمع، لنأخذ مثال أوروبا، تنتج ملايين المواد على السوشال ميديا كل يوم من التفاهات التي يصنعها صنّاع المحتوى ولكن بالمقابل نرى محتوى كبير عميق أو مهم أو مفيد عليه مشاهدات عالية كبيرة أيضاً، الناس تحتاج الأمرين في حياتها، وهذا ما برهن عليه برأيي أحمد الغندور صانع الشخصية الخيالية "الدحيح" في برنامج الشهير الذي بدأ على قناة aj+ - مشاهدات بالملايين والمحتوى من أعمق وأهم ما يكون عن طريق تكنيك شعبنة العلوم الذي يقوم به فرنسيين أيضاً، هذا لا يتعارض مع ذاك، حتى الأدب قديماً والمسرح كان يحمل الصنفان من النوع التافه والعميق، والتاريخ دائماً استبقى في نهاية الأمر الجيد وأبقى عليه دون اندثار، أنا مع إطلاق عنان الحرية للجميع بالمشاهدة والصناعة وأن ندع المسارات تأخذ أشكالها بناءً على المطروح من منتجات ترفيهية.

الجميع مذنب ولكن الذنب الأكبر يقع على المشاهدين وليس فقط المحبين لهذه التفاهة والمصفقين لها بل حتى الكارهين لها ومنتقديها فهم يساهمون بشكل أو بآخر في زيادة عدد مشاهداتها وبالتالي ازدياد انتشارها، حتى أنه يوجد تفسير علمي لهذه الحالة والتي تسمى ‘Hate-watching’ أي أننا جميعًا متورطون بشكل أو بآخر..

هذا المسمى مرتبط بميلنا إلى مشاهدة أشياء نحن نكرهها ونشمئز منها لمجرد أننا نستمتع بانتقادها أو السخرية منها، والغريب في ذلك أن سبب ميلنا إلى هذا النوع من السلوكيات والمشاهدة هو أنه عندما نتابع شيء يستفزنا يمكن أن يؤدي ذلك إلى إفراز هرمونات مثل الأدرينالين والأكسيتوسين والدوبامين أي أننا نتلذذ بالكراهية!

والسبب الآخر حسب الدراسة هو أن "الكراهية تجمعنا"، حيث أننا عندما نتشارك في الأشياء التي نكرهها مع الأصدقاء والآخرين هذا سيجعلنا نشعر شعور جيد تجاه أنفسنا، وهو ما يفسر انني أشاهد التفاهة التي تستفزني ثم أقوم بإرسالها لصديقتي التي توافقني نفس المشاعر ونستمر بالإنتقاد والسخرية منه.

وطبعًا أبطال التفاهة هم أكبر المستفيدين، سواء من المحبين أو من الكارهين، شهرة ومال واستمرار في التفاهة والإستفزاز!

قالوا قديماً "أميتوا الباطل بالسكوت عليه", أعتقد أن أغلب التافهين يعرف هذا وما ينتشر له ينشره الناس على سبيل الاستهزاء والسخرية ( فهذا يعد سبباً للشهرة وكثرة النشر وليس فقط يجب أن يكون سبب إيجابي)

شكرا على المساهمة رغدة، طرح اكثر من رائع

في الواقع هو ذنب الجهات المعنية بالرقابة

فالمتلقي شخص فضولي شره

وصانع المحتوى شخص يريد الصعود والوصول لأكبر شريحة من المتلقين مهما كلف الأمر

هنا يأتي دور المؤسسات بفرض التراخيص وتهذيب الممكن واللائق وتحديد كل منهما

مثلا في السابق كان الشخص يقدم نص الكتاب إلى دار النشر فيمر هذا النص على مؤسسات عدة ليحصد تصاريح التداول وترخيص الطباعة ويستوفي شروط المحتوى بأن يكون هادف أو ترفيهي ثقافي ولكن الآن أي شخص لديه نص يصبح كاتب له اصدارات تملئ المكاتب، ببساطة لأن الرقابة انسحبت وتركت الساحة للعبث الحر.

أرى أن كل من صانع التفاهة ومستهلكها مذنبين، لأنهما يدخلان في عملية تبادلية، ولا يمكن كسر هذه الحلقة المفرغة إلا بالتوعية الثقافية، واهتمام الدول بتجويد التعليم، وخلق فضاءات ترفيه جادة، والعمل على تقوية دور الشباب والمراكز الثقافية التي من خلالها يمكن أن تُبنى عقليات تنأى عن التفاهة، وتبحث عن الجيد من الفن والمحتوى أيا كان.

جعل الانسان يهتم بالجودة في كل شيء، هي صناعة وعمل دؤوب، لتمكين الجمهور من تكوين ذوق رفيع والانفتاح على المحتوى الهادف.

الجميع مذنب هنا يا رغدة، فلو نظرنا لصانع المحتوى سنجد أنه لو توقف عن نشر التفاهة فلن يجد المشاهد سوى المحتوى القيم ولو لم يكن يفضله فسيكون مضطر له لو لم يجد غيره.

أما المشاهد فهو مذنب فلو لم يشاهد فلن ينتشر المحتوى ولن يحصل صانعه على منفعة وبذلك يتوقف عن صنعه تماماً.

وأظن أن الطرفين لن يتوقفوا عن ذلك من وجهة نظري وأعتقد أن الأمر يجب أن يتم بسلطة رقابية لحماية المجتمع من التلوث الثقافي.

صانع المحتوى هو المذنب الأول يا أستاذة رغدة، في مصر قديمًا كان التلفاز عليه قناتين فقط وهم قناة للأخبار وقناة للقرآن ثم تطور فظهرت قنوات علمية، وهنا كان الجمهور أما محب ومتابع وأما كاره ومجبر لعدم وجود محتوى آخر، ثم ظهرت السينما ثم قنوات طبخ وقنوات رقص وقنوات أغاني وقنوات دينية، وكذلك حدث الأمر على مختلف المنصات حتى خرج عن السيطرة.

والمشاهد هو المسؤول الثاني عن هذا الأمر، فلو امتنع هو امتنع صانع المحتوى عن التفاهة، ولكن أظن الأغلبية تعجبها التفاهة الآن.

وأعتقد أن الدور الرقابي للدول سيعجز هنا، وأتذكر محاولة لمسؤول إيطالي في ٢٠٢٣ قد حاول حظر المحتوى السلبي أو التافه فخرجت تصريحات تتهمه بانتهاك حرية النشر والتعبير وسياسة المنصات الرقمية، حتى قدم الرجل استقالته بعد ذلك.

كلاهما، ولكن هناك عامل ثالث ربما أغفلت عنه، وهو (غياب الصناعة الجيدة) وهذه تحديدا، وخاصة في الأدب / الفن، غير مقتصرة على ظروف معينة، في أحلك العصور، كان هناك منتجي محتوى عظماء، وكان هناك الكثير من التوافه حولهم.

بلا شك المتفرج مذنب أكثر لأنه لولا إعجابه بما يقدمه صانع المحتوى لم يكن للمحتوى أن ينتشر،والأصعبمن من ذلك هو أن صاحب المحتوى يعلم أن عصرنا أغلبيته تفتقر للقيم والأخلاق الجيدة،لذلك الذنب ذنب المتفرج.