هل الافلام والمسلسلات تنقل الواقع ام تشكل الواقع ؟

يمكن القول أن المسلسلات والأفلام تحمل كلا العنصرين من انعكاس الواقع وتشويهه، وذلك يعتمد على كيفية تقديم القصص والرسائل التي ترغب في توصيلها. من المهم على المشاهدين أن يكونوا واعين ونقديين عند مشاهدة المحتوى الإعلامي، وأن يسعوا لفهم السياق الأوسع بدلاً من قبول كل ما يرونه على الشاشة كحقيقة مطلقة.

هي بالفعل انعكاس للواقع، هناك مسلسل اسمه ساعته وتاريخه المسلسل يعرض أقوى جرائم القتل التي حدثت بالواقع وكان لها صدى مجتمعي كبير، لو رأيتي المسلسل ستندهشين أن هذه الجرائم حدثت بالواقع فعليا وليست خيالية من وحي الكاتب، لذا الواقع ملىء بأمور قد لا نتوقعها، لكن ما يمكن أن نلوم عليه الدراما هي المعالجة الدرامية التي قد تجعل من حالة نادرة بطل مسلسل، أو تبالغ في حبكتها الدرامية والتركيز فقط على تقديم الحالات الشاذة والسلبية والبعد عن تمثيل الفئة التي تمثل أغلب المجتمع والتركيز على طبقة معنية قد لا تمثل ربع المجتمع حتى، مثل مسلسل وتر حساس الذي يعرض الآن، المسلسل بكل تفاصيله بعيدة كل البعد عن المجتمع المصري ولكن قد تحدث في طبقة محددة وهم أقلية

هذه مشكلة ليست بجديدة ولكن تأثيرها أصبح أكبر بما أن الأجيال الحالية تتبع كل ما هو (ترند) بشكل سطحي وبدون تفكير ، أظن أن السبب الرئيسي في تلك المشكلة ليست فقط السينما أو التلفزيون بحد ذاتهم فهم بنهاية الأمر يتأثروا أيضاً بالواقع ، أنا أرى المشكلة الأساسية هو غياب دور القدوة أو المعلم المرشد في الحقيقة وفي الواقع الدرامي ، ففي حالة ميلك مثلي لمشاهدة الأعمال القديمة ستجدي أن أغلبها في الأعمال في فترة التسعينات وما قبلها (التلفزيونية خصوصاً) تلعب دور الناقد والداعم والمواجه سواء كان هذا يتم بطريقة مباشرة تصل أحياناً للفجاجة في تقديم النص ، أو بالطرق الذكية وهي .. خلق إحتياج وضرورة للعمل الخيري أو المجتمعي وتأثير هذا على الأجيال أعمال الفنان محمد صبحي بالأخص (عائلة ونيس) مثلاً أو كثير من أعمال أسامة أنور عكاشة (الراية البيضا) (أبو العلا البشري) وهناك عشرات الأمثلة .. لكن هل يمكن أن نشير لأعمال حالية تحرص على تقديم مفاهيم اجتماعية مثالية مثلاً و تحقق تأثير حقيقي؟

يمكن اعتبار المسلسلات والأفلام انعكاسًا دقيقًا للواقع أم أنها تشويه له لجذب المشاهدين؟

لا هذا ولا ذاك في رأيي، المسلسلات ليست انعكاسًا للواقع، أو بالاحرى ليست انعكاسًا دقيقًا، ربما قد تتناول بعض الأعمال قضايا اجتماعية موجودة بالفعل وتبين كيف يمكن لها أن تؤول، مثل فيلم civil war من إنتاج العام الحالي، يتحدث عن تصور مستقبلي ديستوبي للحرب الأهلية الأمريكية، ويريد به عكس التوترات الصغيرة في المجتمع الأمريكي بين الحزبين. ولكن أغلب انتاجات السنة مثلًا أعمال اما مستقلة أو أعمال من إنتاج ضخمة لمعالجة رواية أو نص لا يعبر بالضرورة عن الواقع، وهو أيضًا بالتبعية لا يستهدف الواقع لتشويهه. الفن أكثر عشوائية من ذلك في رأيي وأكثر تنوعًا.

أرى أن المسلسلات والأفلام في العصر الحالي ليست فقط انعكاسًا للواقع بل هي في كثير من الأحيان تعكس جزءًا من الحقيقة وتقوم بتشويهه أو حتى تضخيمه لخلق واقع جديد. هذه الأعمال ليست مجرد وسيلة للتسلية أو التعليم، بل هي أداة تشكيل للرأي العام ووسيلة لبناء أنماط حياتية جديدة.

في الماضي، كانت الأفلام والمسلسلات تميل إلى تقديم سرد يمكن أن يكون قريبًا من الواقع، يحاكي المجتمع ويعرض مشكلاته وهمومه، لكن مع مرور الوقت، وبسبب سعي الإنتاجات الدرامية لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، بدأنا نشهد تحولًا نحو تقديم قصص ومواقف مفرطة في الإثارة والمبالغة، قد تكون غير واقعية أو حتى مستحيلة الحدوث. هذه المبالغات، سواء كانت في حبكة القصة أو في تقديم الشخصيات، ليست مجرد إضافة للدراما، بل تتحول إلى واقع جديد يتبناه الجمهور ويؤمن به.

تمثل الأفلام والمسلسلات حلقة وسط بين التعبير عن الواقع، والتأثير في الواقع.

فهي تبدأ بمقدمة واقعية لموقف درامي يحدث في كل مكان، لكن لأن غرض الأفلام والمسلسلات الأساسي هو التسلية، نجد ذلك الواقع يتشكل ويتغيّر حسب رؤية كاتب السيناريو للشكل الذي سيكون أكثر تسلية وأكثر جذباً للمُشاهد.

فنجد كمثال البطل الجدع ابن الحارة المجتهد الذي يُظلم من الطاغية، يأتي في نهاية المسلسل مقتحماً الحارة ويُشبع كل رجال الطاغية ضرباً بيده وسط تهليل أفراد الحارة لمنقذهم من الطاغية ورجاله، هذا لا يحدث كل يوم في الواقع، وإن حدث يكون بطريقة مختلفة، لكن ضرورة التشويق ونجاح المسلسل يفرض ذلك.

وبالتأكيد تمثل تلك المسلسلات طريقة لتشكيل الواقع، فيمكن أن تجعل اللص محبوباً، والبلطجي جدع وابن بلد، بينما المجتهد خايب ولا يعرف طريق النجاح.