منذ أن أكملتُ دبلوم الكتابة، لم أجرؤ على كتابة نص واحدٍ يعكس معرفتي في هذا المجال، رغم أن الكتابة مسعى يستدعي الجرأة والاستمرار.

كلما بدأتُ في كتابة نص، أجد نفسي غارقًا في إحساس الجهل، ولكن بعد أن كتبتُ نصًا بعنوان "النظرات في الكتابة"، الذي لاقى رواجًا واسعًا بين القراء، شعرتُ بشجاعة أكبر لوضع بعض النقاط على بعض الأحرف لنوضح أن الأدب ينبع إبداعه من ينابيع الحرية، تلك الحرية التي تفيض وتجري مثل نهر يجرف ويغسل معه كل القيود ويحرر الفكر.

فالأدب في جوهره ينمو وينتشر مثل زهرة تتفتح تحت أشعة الشمس، ويكشف جماله من خلال مناخ لحرية بعيدًا عن القيود والقوانين والمعايير الخارجية.

وإن الفكر الأدبي ليس ضيافةً تُقدَّم على مائدة الواقع، بل هو كائن حي يتغذى من خيالات كتّابه وتجاربهم ومكنوناتهم.

إذا كان للأدب معايير خاصة تنطلق من كينونته، فإنها ليست محصورةً ضمن مدارات الحكم الأخلاقي المحدود، بل يتجاوز الأدب تلك الموانع ليصبح فضاءً تجريبيًا، يفتح أمام الكاتب أفقًا واسعًا في سماء مفتوحة تتسع لكل الاحتمالات والافتراضات، هنا يصبح كل قول وكل فعل أدبي تعبيرًا عن تجربة فريدة، لا تخضع لأي انتقاد خارجي، ولا تُعرَّض للأحكام المجتمعية الضاغطة.

قد يُظنّ البعض أن التحليق بعيدًا عن الحكم الأخلاقي يعني تغريب الأدب عن القيم. غير أن الواقع يؤكد عكس ذلك، فالأدب عندما يُحلق بحرية، يُظهر معاني أخلاقية عميقة ينقلها بألوان متباينة.

لا ينفي شرعية الحكم، بل يدعونا لتأمل تلك الأحكام في سياقات أخرى، بعيدًا عن صفحات الكتب، فقد تحمل كل كلمة وكل قافية دعوة للتفكير والتدبر فيما وراء السطور. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى العلاقة التاريخية بين الأدب والحرية، سواء كانت حرية سياسية أم أدبية. على سبيل المثال، ساهمت الحركات الأدبية في القرنين التاسع عشر والعشرين، كالرومانسية والحداثة، في تحدي الأعراف والتعبير عن رؤى جديدة قد لا تكون آنذاك مسموحة.

فالأدب أبعد من كونه سردًا أو قصة، بل هو أسلوب حياة، وهو ذاكرة جماعية تشكَّلت من خلال تصورات كتّابه. فعندما نسمع عن "الرواية أو القصة"، ندرك أن الأدب ليس مجرد حكايات تُروى، بل هو رؤية ومعايشة للطبيعة الإنسانية بكل تلويناتها، تسعى لتحرير الروح من قيود الواقع المعيش.

فكري محمد الخالد