كانت المعضلة بالنسبة لجيل الكلاسيكيات والآصالة بأنهم شعروا بثمة انقلاب وتغيير جذري في الثقافة والتراث حيث يرون من حولهم وكأنهم يتناولون قشور التفاح ويلقون ما بداخله في التراب ، لقد سقط التراثيين الآن في ذات البوتقة التي وقع فيها الجيل القديم الذين كانوا يرونه معقداً لا يجاري الموضة . فصدمهم العالم الرقمي بما هو أكثر تجدداً وتحديثاً ليصبحوا هم أنفسهم قدماء ، لقد هزمتهم العولمة في مقتل.
لقد اقتحمت الصورة الحقل الورقي والرقمي على السواء حتى أصبح الناس يلهثون وراء الأشياء الخارجية دون تعمق فلم يعد الإنسان العصري يتحمل القراءة الطويلة والقصائد الفصحى ، فهو يريد الوصول لنهاية الحدث بسرعة مذهلة وكان ذلك إيذانا بنهاية عهد الكتاب وبداية عهد الكتالوج .
لقد أصبحت الكتابة بالصور أسهل وسيلة للوصول إلى المتابعين ، أو الكتابة بالصوت بشرط أن تكون موجزة ، فلم يعد هناك متسع للكتابة الموسوعية المفصلة لأن العالم لديه شغف فك شفرات الألغاز بلا جهد ، ولم تتوقف المسألة عند ذلك الحد بل كان السبق والغلبة إلى أكثر الصور إثارة ، أما الكلمات فقد كان العنوان الفاضح هو الأفضل لأنه ينم عن حادث مفجع أو جريمة خطرة.
لم تعد الخلاصة والمعاني تمثل أهمية في عصر العولمة ليس ذلك بسبب انعدام المباديء والمشاعر عند الناس بقدر ما كانت الضغوط المادية والتطور السريع في العالم يدهس كل شيء لأن العالم يجري بسرعة للحاق بالقطار ، فإذا توقف البعض عن المسير فإن نهايته حتمية .
قسوة العالم التكنولوجي لا ترحم الضعفاء ولن تأسف المجتمعات على وقوع بعضها أثناء الرحلة لأن جميع الدول منشغلة بأحوالها ، فلا تتوقع أن يبكي عليك أحدهم لكونك متمسكا بالآصالة والمثالية ، فلا تلتفت دقيقة من أجل مشاهدة ردود الأفعال تجاه مواقفك . بل خذ قرارك بذكاء وسرعة بلا تهور حتى لا تلتهمك الحداثة وتدهسك بأقدامها.
ربما يرى الإنسان الكلاسيكي صعوبة في التجديد وتطوير نفسه ولكن الأمر ليس كذلك ، فالتجديد هو سنة الحياة والانتقال من عهد إلى عهد آخر هو ما تمثله طبيعة الأزمان، وقد استطاع بعض الكتاب والعلماء تجاوز تلك العقدة لكي تخلد أسمائهم على مدى أجيال وإحيال ، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة كسرت ذلك الحاجز الضخم دون أن تفقد نكهتها وجوهرها فاستكملت أفكارهم واستثمرت آمالهم ، فقد انتشرت أفكار الكاتب الانجليزي (وليم شكسبير) والشاعر العراقي (أبو الطيب المتنبي) وسط هذا العالم الرقمي المجنون وكانت كلماتهم تشق الآذان الصماء لكونهم لم يتكبروا عن النزول إلى أدنى درجة للتواصل مع البشر
وفي مجال الغناء استطاعت كثير من الأصوات أن تستمر حتى وقتنا الحالي ، لقد ظل المطرب الأمريكي مايكل جاكسون متربعا على مستوى العالم ، وفي مصر والعالم العربي ظل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ هو الأعلى حظا بين جميع الأجيال لأنه كان مغامراً ولم يخشى الجديد وكان الأكثر تواءم مع الشباب والأطفال وذلك بعكس الكلاسيكيين الذين ظلوا في أماكنهم ينتقدون ، ويثرثرون بلا جدوى مما أفقدهم جماهيريتهم فسقطوا في هوة الصراع بين الماضي والحاضر رغم أنهم يعلمون يقينا أن الطربوش لم يعد مناسبا للعصر التكنولوجي ولكنها المكابرة والجهل الاجتماعي مع الإصرار على التمسك بالأفكار البالية .
ما رأيكم أنتم في هذا التطور التكنولوجي السريغ ، هل يصعب عليكم أن تقرأوا ولو ساعة في اليوم ؟ وهل استخدام الصورة اليوم يكون معبرا أكثر من الكتابة أم أن الكتابة تظل هي الملكة مهما تغيرت الظروف والأحداث .
التعليقات