ما سرُّ إبداع الكاتب؟! هل السر هو طقوس الكتابة التي يقوم بها قبل أو خلال رحلة الكتابة؟ وهل هناك صلة رحمٍ بين الطقوس التي يُمارسها الكُتَّاب وإلهامهم؟ أم أنها مجرد وهم يعيشه الكاتب؟

في عالم الكتابة نجد أغلبية الكُتاب لهم طقوس مختلفة أثناء الكتابة منها ما هو غريب وخارق للعادة، ومنها ما هو ممل وروتيني. يظن الكاتب من خلال تلك الطقوس انه يستحضر أفكاراّ أو يستعد للغوص في عمق العمل، كما قال السكندري رحمه الله "على قدرِ الاستعداد يكون الإمداد." لكن ماذا لو كانت مجرد وهم يختبئ وراءه الكاتب خوفاّ من الكتابة؟ وماذا لو لم تكن تلك الطقوس هل سيموت إبداعه؟

فمثلاّ، هل يمكننا القول لولا الحبر الأحمر ما كتب "عباس محمود العقاد"؟ ولولا الورق المُلوَّن خاصَّة الأصفر والزَّهريَّ منهم ما تفنن "نزار قباني"؟ ولولا غسل الأواني والعزف على البيانو ما حَاكَتْ لنا "أجاثا كريستي" قصصها البوليسية؟ ولولا الخمسين كوبًا من القهوة التي كان يحتسيها "أونوريه دي بلزاك" ما تفنَّن في كتاباته؟

يمكننا اعتبار طقوس الكتابة انها الطريقة التي يستخدمها الكاتب للعمل على كتابته، وهي قد تختلف من كاتب إلى آخر. ولكن على الكاتب ألا يضعها كشرط للكتابة لا مفر منه. فتلك الطقوس التي تسبق الكتابة ليستْ إلاَّ ضربًا من ضُروب التعوُّد ووهماّ تحول لهاجسٍ يلاحقه، ولاحقاّ صبغه الكاتب بصبغة الضرورة.

ولا سيما أن بعض الطقوس "الغريبة" وربما "المنحرفة" قد تشكِّكُ في سلامة عقل الكاتب والتي يستخدمها بحجَّة أنها تُسعفه في كتابة محتوى ما كان ليكتبه لولاها، فلا داعي للانجراف وراء وهم تلك الطقوس فيصاب باضطراب نفسي لا إلهام، كما هو حال فيكتور هوجو وهيرمان ميلر اللذان كانا يفضِّلان الكتابة في العَرَاءِ. فما المنطق في ذلك؟

ولو فرضنا جدلاّ أن طقوس الكتابة ليس وهماّ، لا يعني ذلك ألا ينتقي الكاتب نوعية الطقس ومنطقه. فأن نُسَلِّمُ أحياناّ أن طقوس الكتابة لها علاقة بالإلهام، لا يعني بالضرورة شرعية تلك طقوس على أشكالها المطلقة.

وبرأيك، هل ترى تلك الطقوس وهم يلاحق الكاتب ليس إلا؟