في كتابه "عزيزي المحرر: دليلك إلى صياغة احترافية"؛ أشار الكاتب محمود عبد الرازق جمعة في مَعرِض كلامه عن مشكلة الحشو في الكتابة إلى مثال طريف وصفه بأنه "يجب أن يُخلَّد في تاريخ الصحافة!"، يقول المثال: "كاميرا اليوم الخامس ترصد تدشين بدء استكمال إنهاء مشروع الصرف الصحي!"، ما أكثر المَطّ في الجملة وما أكثر الكلمات المتضادة!

فالتدشين: قبل البدء

والبدء: في البداية

والاستكمال: في الوسط

والإنهاء: في النهاية

قد نستنكر أنا وأنتم أن نكتب مثل تلك الجملة ذات الانفصام في الشخصية، ربما! لكن الأكيد أننا جميعًا معرَّضون للوقوع في خطأ الحشو في الكتابة، سواء الكتابة العلمية والأكاديمية أو الكتابة الأدبية أو كتابة المقالات والتدوين عمومًا. وقد فكرت أن أسألكم السؤال البَدَهيّ: كيف نتجنب الحشو؟ لكنني آثرتُ السؤال: لماذا يقع الكاتب في الحشو سواء تعمّد أو لم يتعمّد؟ لأنه -في رأيي- إذا وقفنا على الأسباب التي تُوقِع بنا في شباك الحشو، فسيسهُل علينا أن نحيدَ عنها إن شاء الله.

بالنسبة لي، فمن واقع تجربتي في الكتابة العلمية وكتابة المقالات والتدوين، ومن خلال عملي -سابقًا- في التحرير الذي أتاح لي الاطلاع على إنتاجات الكُتَّاب قبل نشرها وتنقيحها، فالأسباب التي تضطر الكاتب إلى الحشو تتلخص في:

  • التسرع في الكتابة قبل إجراء بحث معمق جدًا حول الموضوع، فالكاتب قد يظن أنه أحاط بالموضوع وفهمه بعد مطالعة مصدر أو مصدرين، لكنه لم يكن قد تشرَّب الأفكار وهضمها بعد، وهذا الفهم السطحي لا يخلق عصفًا ذهنيًا بالمعلومات، يعني معلوماته قليلة فيظل يلف ويدور حولها في الكتابة بدون قيمة مضافة.
  • عدم التمكُّن من اللغة، فقد تكون لديه الأفكار بالفعل، لكنه يصطدم بحائط اللغة عند محاولة التعبير عنها، فتتبعثر أفكاره وتفقد الترابط والتسلسل والمنطقية التي تُبرز القيمة، فيصبح النص عبارة عن حشو فقراتٍ غير متراصة البناء.