أحب الموهوبين...أصحاب الصوت الجميل والخط الجميل والحرف الجميل وكل شئ يقدمه موهوب... دائماً ما أجد فيهم جمالاً إضافياً غير ذلك الجمال الذي أراه او أسمعه منهم..

الموهوب كما أراه، هو شخصٌ مودعٌ فيه سرٌ إلهي، لا تجد له تفسيراً ولا شكلاً ولا أنت ترى هذا السر..فهو في نفس صاحبه كالروح في إناء جسده، به يولد وبه سيموت وبه يؤثر في الخلائق إن فطن إلى هذا السرِّ وقوَّاه بعمله وأخرجه للناس، فإن خرج كان له شعورٌ للناس لا تُكفِّيه معاجم اللغات..فهو يبقى سرٌ إلهي لا يُملُّ منه ولا يسع متذوقه إلا الإستزادة فاتحاً له نوافذ روحه ليجدد هواءها ويدخل إليها النور متمثلاً في هذا الإبداع.

في تلك النقطة , ما هو تعريف الموهبة من وجهة نظرك؟ وهل توصلت لموهبتك في مجال ما أم أنك لا زلت تبحث عنها في مكنون نفسك؟

والآن فلنكمل حديثنا...قديماً أخبرني جدِّي قائلاً : الصَّديق الذي يقول لك أنه حُلو الصفات والخصال "حرَّص" منه، فالحلو لا يقول عن نفسه أنه حلو، بل تظهر أفعاله ذلك، والحلو متواضع لا يتباهى بجماله لأن هذا الجمال شئ طبيعي فيه فيتحرَّج من ذكره إن كان بالفعل "حُلواً"

تذكرت مقولة جدِّي تلك وأنا أستمع لحوار صحفي أجراه أحد المذيعين مع الأديب الرائع "يحيى حقي" حيث سأله المذيع قائلاً : أنت أول كاتب مصري يعلن صراحة أنه توقف عن الكتابة، وهذا غريب، فنحن نعلم أن الكاتب يظل طوال عمره يكتب.

فقال يحيى حقي فيما معنى الكلام : أن من يظل طوال عمره يكتب دون أن يشعر أنه تعب هو فقط "الموهوب" وهو شخص مودع فيه سر إلهي، ويستطيع أن يكتب وقتما شاء فتلك قدرة وضعها الله عز وجل فيه، أما أنا فقد كنت دائماً أجلس لست ساعات وسبع ساعات يومياً حتى أتمكن من الكتابة، فالكتابة تحتاج مني لمجهودات جبارة، "جسمانية وعقلية وروحية" وأصبحت اعجز عنها الآن لكبر سني..فقررت أن اتوقف وأكتفي بما قدمته.

سمعت كلمات يحيى حقي الذي يشهد له كبار الأدباء بأنه مبدع وأن انتاجه الأدبي قوي وثري، وتعجبت كثيراً لذلك الصدق والشفافية والإخلاص...وقلت حقاً! المبدع لا يقول عن نفسه أنه مبدع كما الحلو الذي لا يخبر الناس كم هو حلو.

وفي نطاق مغاير دعونا نلقي نظرة على شئ رأيته مراراً عن كثب نظراً لاندماجي في الوسط الأدبي منذ فترة لا بأس بها، وهم الكتاب الشباب وحتى الكبار الذين لم يقدموا ما يستحق الخلود.

فأرى كثير منهم وهم بصدد أنهم يعلنون عن أعمالهم بجمل من نوعية : "أنا نازل برواية المعرض القادم ستكسر الدنيا"

ويقول آخر : " أنا من الكتاب القلائل الموهوبين" والكثير من مثيلات تلك الجمل التي غالباً ما يقولها غير المبدعين والموهوبين.

وفي الحقيقة أنا "كقارئ" لا أثق فيمن يمتدح فنَّه عياناً ولا تشجعني تلك الطريقة أن أشتري له كتاب أقرأه.

ضحكت كثيراً على مقولة رأيتها مؤخراً للكاتب عمرو العادلي يقول فيها :

"أسوأ الأعمال التي قرأتها في حياتي هي التي قال عنها أصحابها أنها هتكسر الدنيا!"

والآن عزيزي القارئ لدي سؤال :

كيف أحصل "ككاتب" على ثقة قرائي وأشجعهم على اقتناء عملي دون أن يشعروا مني بعجرفة أو تكبر ؟