أحيانًا عندما نقرأ لأحد الكتّاب تجذبنا نصوصه من الطريقة التي يلاعب فيها مشاعرنا، أحيانًا يعزف على وتَر آلامنا، وأحيانًا أخرى يكبس زرّ الذكريات التي رميناها في قبو الذاكرة، وتظاهرنا أنّها غير موجودة.

ومراتٌ كثيرة يجعلنا نتوقّف ونكتفي بتنهيدة، وأحيانًا نتجمّد في محلّنا وتنحدر على وجنتنا دمعة وحيدة، ونتساؤل كيف لهذا الكاتب أن يلامس كل هذه النقاط الحساسة المخفية في دواخلنا بأصبع واحد.

كاتبٌ يعيش داخل أفكاره أكثر مما يعيش مع أهله، تجده يلاحق الأفكار عبر أزمان ومجرّاتٍ وأكوان، يستيقظ فجرًا يقتنص فكرة، ويسهر ليلًا ليدوّن إرهاصاته التي لا تنتهي، وكأنّه محكومٌ عليه بالجنون.

وقد جاءني سؤال من صديقة مبدعة، تشتكي من نفسها وتقول لي: 

" أنا لا أشعر أنني سوية نفسيًا، أشعر أنّه لدي انفصام شخصية( مرضٌ نفسيّ يظهر في مجموعة من الهلوسات والأوهام والاضطراب )

فالنصوص التي أكتبها حين أعود لقراءتها أجدها مليئة بالتناقض وكأنها كُتبت من قِبل أشخاص كثر، ويستحيل أن تكون حروف شخصٍ واحد".

وعلى إثر هذا السؤال، أجبتها دون تفكير أنّه إبداع وأبعد ما يكون من الانفصام، مادام لا يعرقل حياتك، فالكاتب وحده يحقّ له أن يكون انفصاميا، مجنونا، شيزوفرينيا… 

لكنني عدت لأفكر بيني وبين نفسي هل معقول أن يكون ذلك أمرٌ مقبول وسوي، أم هناك حقا مشكلة؟

وبحثت عن الموضوع ولكنني لم أحد سوى عنوانًا واحدًا في كتاب لياقات كاتب للكاتبة دوروثي براندي، قالت فيه 

" الانفصام في الشخصية ليس دائمًا مرضًا نفسيًا"

وتناولت ذلك بشكل مقتضب، وقالت فيما معناه أنّ المؤلّف المحظوظ هو ذلك الذي يمتلك شخصية ثنائية ومصابٌ بهيستيريا ما، تجعله يغوص في أعماق عبقريته الكامنة ولدينا ما يكفي من الأدلة على ذلك جيلا بعد جيل.

هل من الطبيعي أن يحمل الكاتب في داخله، شخصياتٍ متعددة ويعيش رفقة أفكاره أكثر مما يعيش مع الناس، أو ربما يعيش بطريقته الفريدة، يستلهم من الوجوه البائسة أوصافًا لشيخصياته، ويضبط أقدارهم من واقع مَن حوله.

هل تعتقدون أنّ هذه الحالة سوية وطبيعية بالنسبة للكاتب؟ وهل أنتم بصفتكم كتّاب تواجهون المصير نفسه؟ شاركوني ما في جعبتكم؟