في حياتنا هنالك أشخاص أثروا فينا وخاصة على المستوى الفكري وبالنسبة للقراء يكون لديهم كُتاب أثروا في فكرهم سواء في مرحلة مبكرة أو مؤخرا وساهم الكاتب في ترتيب أو تقويم أفكارك فمن هو الكاتب الأكثر تأثيرا في أفكارك؟
من هو الكاتب الأكثر تأثيرا في أفكارك؟
صراحة موضوع تأثر القارئ بأفكار الكاتب هو أمر لا مفر منه، حتى أنه يحدث لا إراديا لدى البعض!
ورغم ذلك فلا بد من الحفاظ على مساحة عقلية خاصة لنقد وتحليل كل ما نتلقاه من أفكار قبل التأثر بها، أو محاولة تطبيقها فعليا، ومن ثم إنتقاء ما يتناسب وشخصية وعقلية وظروف كل فرد على حده..
وعن نفسي فمن كثرة ما اطلعت عليه من أفكار فلسفية مثيرة (بالمعنيين الإيجابي والسلبي) فلا أذكر كاتب أو مفكر بعينه كان له ذلك الدور المؤثر بطريقة تفكيري .. لكن بشكل عام استفدت كثيرا من الكتب النقدية لمفكرين مثل العقاد، وطه حسين، وعبد الرحمن بدوي، وسارتر، وماركس، وغيرهم من اصحاب النزعة النقدية.
ورغم ذلك فلا بد من الحفاظ على مساحة عقلية خاصة لنقد وتحليل كل ما نتلقاه من أفكار قبل التأثر بها، أو محاولة تطبيقها فعليا، ومن ثم إنتقاء ما يتناسب وشخصية وعقلية وظروف كل فرد على حده..
أتفق معك ولكن أكثر ما يلفت انتباهي في هذا الموضوع هو فكرة أن الإنسان قد يقرأ مجموعة من الكتب تناقش أفكار معينة فيخرج بموقف ما ويقتنع بأشياء معينة. ولكنه لو قرأ نفس تلك الكتب بترتيب مختلف لربما خرج بموقف مختلف تمامًا! كما أن طبيعة الإنسان قد تجعل حتى اختياره للكتب التي يقرأها بها نوع من الانحياز. فكيف تتعاملين مع هذا الأمر الذي حتى لو حاول الإنسان نقده فلن يستطيع على المدى الطويل؟
هذا لأننا نخضع لتأثير الحداثة وهي فعلًا من الانحياز، أي أن ما يصل إلينا أولًا، وخصوصًا المعلومات الجديدة، نصدقه وبشدة ( سواء كان بالقراءة أو المشاهدة أو الإنصات)، لكن ما أن ندرك هذا الأمر، نُخضه تلك الأفكار للتفكير النقدي والتحليل ونبدأ في البحث عنها في شتى المصادر ومن مختلف وجهات النظر (مؤيدة ومعارضة) حتى نصل في الأخير إلى المعلومة التي نميل للإقتناع بها بشكل منطقي، وهذا أيضًا يختلف من شخص لآخر.
فلا أذكر كاتب أو مفكر بعينه كان له ذلك الدور المؤثر بطريقة تفكيري
من الأسماء التي كتبتيها، وبالتأكيد هنالك غيرهم. لا أعلم هل يمكن أن لا يقف الشخص على مفكر أو أديب معين كانت له اسهامات كبيرة على مستوى فكره! فالكتاب والمفكرين يتأثرون بغيرهم ويكون لهم على وجه التحديد كتاب أو مفكرين ساهموا في تطوير فكره حتى لو في مرحلة معينة وبعد وقت وقراءة أخرى ربما يعارض أو ينقد هذه الأفكار ومن أشهر الأمثلة أرسطو ونقده لأفكار سابقيه من الفلاسفة حتى من تتلمذ على يدهم وكان لهم حسب قوله التأثير الأكبر وخاصة أفلاطون. لذا سؤالي لك هل بالفعل ليس هنالك هذا المفكر أو الكاتب الذي أثر في طريقة تفكيرك أم أنكِ ربما لم تقعي على هذا الكاتب بعد وتدركي مدى تأثيره في افكارك؟
بالنسبة للتأثير فلو أمكن أن أذكر أكثر شخص كتاباته كانت له الدور الأقوى مع أنه لا يعتبر كاتب بالمعنى المتبادر إلى الذهن وأعني هنا الدكتور والباحث عبدالعزيز الطريفي، الرجل يمتلك قدرة استثنائية على الترتيب والتصنيف وربط النقاط ببعضها البعض عبر تسلسل متدرج، بالإضافة لأهم نقطة وهو تفصيله عن الموضوع الذي يذكره خصوصاً عندما ينتقد فكر مخالف له فلا نجد ما نراه من التقول على الخصم أو تأويل كلامه عكس مايريد أو الاعتماد على مصادر مجهولة او متحيزة بل على العكس تماما يأتي بكلام الخصم كاملا من كتبه الذي يعتمدها هو ثم تأتي أمتع مرحلة في التفكيك والمناقشة.
لكن لو كان لا بد من كاتب أو مؤلف بالمعنى فربما أذكر ستيفن لكن ليس على مستوى التأثير بل الاستفادة من خلال الكتاب الوحيد الذي اطلعت عليه وهو العادات السبع
وأعني هنا الدكتور والباحث عبدالعزيز الطريفي
من وجهة نظري كل ما ذكرتَه من مناقب الرجل كانت بسبب أنه تربى على الحديث، فكل أصحاب العلم المرتبطين بعلم حديث رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- وملتزمون التزاما صحيحا بمنهج أهل السنة والجماعة تجد اختلافاتهم لا تصل إلى الخلاف وإنما هي اختلافات منطقية قائمة على الحجة والدليل الصحيح. ربما لأنهم تعودوا على تحري صحة المتن والسند فتجدهم دائما ينسبون الأقوال والأفعال الصحيحة إلى أصحابها.
جزاك الله خيرا أخي حسين أبدعت في تحليلك، لكن أرى بعض النماذج تشتري بعلم الحديث أو العلم عن الله عموما ثمناً بخساً وعند التطبيق تجد هذا العلم يلقى وراء الظهر، ربما يكون الأمر له مؤثرات أخرى مساعدة مثل صدق النية وسوية النفس والتربية والنشأة.
كاتب أو مؤلف بالمعنى فربما أذكر ستيفن لكن ليس على مستوى التأثير بل الاستفادة
هذا مثال جيد ويصلح بالتأكيد لمفهوم التأثير الذي وقع عليك، ولكن هل يمكن أن تخبرني ما هذا التأثير أو الاستفادة من أفكاره عليك؟
هناك الكثير من الكتاب بل يمكنني القول أن كل شيء أقرأه يأثر في أفكاري بشكل أو بأخر. لكن أكثر ما يلفت انتباهي في موضوع القراءة ككل أن قراءة الكتب من الطبيعي أن تؤثر في الأفكار فهذا هدفها أما حين أجد نفسي أخرج بعصارة فكرية جديدة من عمل أدبي روائي فهذا ما يبهرني فعلًا.
لذلك قد أقول أن كاتبًا أدبيًا متمرسًا كنجيب محفوظ قد أثر في أفكاري ورؤيتي للحياة بشكل كبير وبدون أن أطلب منه ذلك أو أتوقعه.
فمثلًا له مسرحيات مثل مسرحية المطاردة يجسد فيها الموت وطريقة تعامل الإنسان معه. هذا غير قصصه الاجتماعية القصيرة التي تترك الإنسان متفكرًا بعدها في الحياة والناس وطبيعة العلاقات ورواياته الطويلة التي يحلل فيها النفس البشرية بمهارة فائقة ولكن ببساطة في نفس الوقت.
لذلك قد أقول أن كاتبًا أدبيًا متمرسًا كنجيب محفوظ قد أثر في أفكاري ورؤيتي للحياة بشكل كبير وبدون أن أطلب منه ذلك أو أتوقعه.
هذا دور مهم وبرأي الأهم للأدب وهو محاولة توسيع أفاقنا لفهم العالم بصورة أكبر، ربما حتى نستفاد من تجارب ليس ضروري أن مر بها ولكن أثقلتنا بها الكتب طالما كانت جيدة ككتابات نجيب محفوظ، ولكن هل لي أن أسأل عن متى توصلتِ إلى أن نجيب محفوظ هو الأكثر تأثيرا في أفكارك، بمعنى هل في سن المراهقة أو قبلها أم بعدها؟
على العكس في سن المراهقة حاولت القراءة له فلم يرق لي كثيرًا. لكن بعدها بدأت القراءة له ودخلت إلى عوالمه خاصة عوالم الحارة والفتوات والأشياء التي رغم أني لم أعشها إلا أنه نجح في أن يريني إياها من وجهة نظر فلسفية وحتى قصصه الاجتماعية دائمًا تعطيني نظرات مختلفة عن الحياة.
مثلًا قريبًا قرأت قصة له اسمها "الشفق" كانت قصة بسيطة من سبع صفحات عن شخص يعاني من الاكتئاب ولا يقتنع بالعلاج النفسي فيحاول هربًا منه أن يلعب الرياضة ويدرس ويتزوج ويعمل ويسافر ولكن يهاجمه وحش الاكتئاب بعد سنوات طويلة من جديد وتتعدد الأحداث فيرجع مجددًا إلى طبيبه ليبدأ رحلة علاجه فيخبره الطبيب أتظن أنني لم أكن لأنصحك بنفس ما فعلت؟ الدراسة والسفر والزواج والحياة. كنت لأنصحك بنفس الأشياء ولكنك فعلتها بروح مختلفة.
ورغم أنها قصة بسيطة إلا أنها أثرت في كثيرًا وجعلتني أريد أن أعيش حياتي بطريقة فعالة وليس فقط مجرد هرب من كل الأشياء
"دين برنيت" هو أحد الكُتّاب المؤثرين على طريفة تفكيري وفهمي للعديد من الأمور العلمية التي تدور حول علم المخ والأعصاب، وهو صاحب مجموعة من الكتب الشهيرة مثل: "العقل الأبلة"، "المخ السعيد"، "الغباء العاطفي". أسلوب الكتابة يمزج ما بين العلمي الأكاديمي والتبسيط مع وجود قليلًا من الدعابة (كونه كوميديان)، يبدأ الفصول دائمًا بأسئلة مثيرة للجدل أو قد تتساءل حتى ما علاقتها بالموضوع، ولكنه يسير في خط تصاعدي حتى تجد نفسك في آخر الكتاب قد حصلت على أكثر مما توقعت في البداية ودون أي ملل.
تناول في كتبه موضوعات كالذاكرة وعلاقتها بالمشاعر وتكوينها، ولماذا نتأثر بالحزينة منها أكثر من السعيدة، أيضًا كيف يستخدم المخ حافز الخوف ليحميك طوال الوقت، كما تناول كل ما هو متعلق بالشخصية وتكوينها. أتمنى معرفة كاتبك المفضل أيضًا، ولماذا؟
"دين برنيت"
كنت أتوقع شيئا من هذا القبيل وهو أن يكون الكاتب ذو خلفية علمية بالتأكيد، لأن هذا واضح على مشاركاتك معنا، والتي يكون في مقدمتها العلم وخاصة ما يحدث داخل أدمغتنا، لا أخفيك سرا أرى ما يقدمه هو شيء جيد لأنه يراعي في كتبه أن يفهم المتخصص وغير المتخصص بسبب أسلوبه وخلفيته أو ما يمارسه من ستاند آب كوميدي.
أتمنى معرفة كاتبك المفضل أيضًا، ولماذا؟
بالنسبة لي الكاتب الأكثر تأثيرا من ناحية الأفكار كان العقاد في طفولتي لأنني تعرفت على كتبه في سن صغيرة جدا ويعتبر هو مدخلي للقراءة! شيء لا يمكن تخيله بالنسبة لطفل لكن هذا ما حدث، وكان له دور كبير على إثراء الروح النقدية في أفكاري منذ الصغر، وهذا ما يقودني للكاتب الثاني وهو ابن خلدون وبسبب تأثير العقاد في أفكاري كنت أقوم بنقد وفحص كل ما يقوله ابن خلدون وللمفارقة أن ابن خلدون نفسه زاد القدرة النقدية لدي فهو أيضا صاحب تأثير كبير في فترة المراهقة.
نعم، كتبه جيدة جدًا جدًا على المستوى العلمي والعملي، ولكنه أيضًا يحتوى على بعض التعقيدات والمصلحات التي قد لا يميل لها الفئة العظمى من القراء، أي أنه لا يستهدف مثلًا نفس قراء كتابات د/محمد طه، والتي أجدها مميزة أيضًا بالنسبة لغرضها وتوجيهها لفئة محددة، أعني أن الكتب العلمية في العموم تجذب انتباه من يهوى التثقيف والقراءات العميقة.
بالنسبة لي الكاتب الأكثر تأثيرا من ناحية الأفكار كان العقاد
توقعت جدًا أن يكون أحد الأدباء أيضًا، ربما ذهبت بتفكيري إلى نجيب محفوظ تحديدًا، لكن من الواضح أنك بدأت بكُتًاب كِبار من سن صغير جدًا، وعادة ما يحدث هو العكس، يبدأ الطفل بقراءة مجلات كرتونية ثم مع الوقت يتدرج في تذوقه الثقافي، هل لي بسؤالك عن ذلك، كيف انجذبت لقراءة كتب العقاد في سن صغير؟
حسن سامي يوسف، كاتب سوري كتب عن الأزمة السورية من وجهة نظر اجتماعية، الكل كان يذكر الحرب من منطقها العسكري البحت وقضايا التشرد والنزوح والصعوبات الكبيرة جداً فيها، حسن استطاع أن يكتب في منتصف الحرب عن المنطق الاجتماعي وتغيّره في البلاد بعد هذا الحدث الكبير في المدينة، كيف الناس تفكّر وكيف بدأت تتصرف وماذا يقولون، كل الطبائع الاجتماعية أرّخ فيها بشكل أدبي وكأنه بلزاك سوريا حرفياً، قام بذلك بشكل بارز في رواية عتبة الألم وعلى رصيف العمر. روايتين أثّروا فيّ جداً، الأولى مشاهدات عامة في المدينة رصدها والثانية قصص فيها من الماضي والحاضر.
حسن سامي يوسف، كاتب سوري كتب عن الأزمة السورية من وجهة نظر اجتماعية،
شيء رائع أنك تمدني أو تنعش ذاكرتي في كل مرة تتحدث عن كاتب سوري، لأنه يمرون عليّ بعضهم أضعه على قائمة القراءة وبعضهم أبدأ لهم بالفعل وأعتقد أنني سأحاول البدء بكتابات سامي يوسف بعد أن أنهي ما أقرأه، إضافاتك مميزة يا ضياء، والجميل أنك ذكرت وجهة النظر الاجتماعية التي يغفل عنها العديد حتى من الكتاب وكأنهم يهتمون بوصف الأخبار لا بوصف الحياة.
التعليقات