لا يمكننا أن ننكر وجود الحقد كأحد مكونات الإنسان، ومن أجل أن يرتقي هذا الشعور ليكون (حقدًا) أو ليكون الشخص (حاقدًا) فهو يحتاج إلى قدر كبير من هذا الشعور، أما إذا كان هواجس تُعمل بالداخل ويتم إسكاتها على الفور، فهي بالتالي لا تحول الشخص إلى حقود، لكن من أي بؤرة ينطلق الحقد بداخلنا؟
صورة من صور القلق
يأتي الحقد مع موجات قوية من القلق والشعور بالضعف، فكما أن الإنسان يشعر بضئالته أمام وحش عملاق يهم بافتراسه، فهو يشعر بصورة مشابهة أمام شخص آخر تبين له ضئالة حجمه أمام إنجازاته أوممتلكاته، إن هذا الشعور بالقلق ليس هو بؤرة الحقد، أعتقد أن هناك بؤرة أولى أو عدة بؤرات هي المتسببة في هذا الشعور.
النبوءة
النبوءة هي كلمة استخدمها بشكل شخصي، أصف منها الشيء الأول الذي يؤدي إلى وجود مشكلة نفسية نظل ندور حولها ونعاود فعل السلوكيات المرضية إرضاءً وتحقيقًا لتلك النبوءة، فإذا ما حدث ما هو معارض لنبوءتنا، أصابنا القلق أو ربما الهلع.
أنا أفضل من الغير (النبوءة الأولى)
يفترض الإنسان الحاقد أنه أفضل من غيره، فهو بالتالي يقوم بعمل مقارنات بينه وبين الغير باستمرار، فعندما يجد أن أحدهم حصل على أشياء أكثر، وارتقى إلى مرحلة أفضل، أثار هذا فيه القلق، لأنه يهدد نبوءته الأولى في أن يكون هو الأفضل، ولذلك نجد الحقد داء مصاحب للنرجسيين، وبالتالي تتولد الكراهية شيئًا فشيئًا إزاء الآخرين الناجحين، لأنهم قاموا بإبطال نبوءتنا.
كان يُفترض بي أن أكون هناك (النبوءة الثانية)
في أحيان أخرى، لا يعتقد الإنسان بأنه الأفضل، ولا يمتلك النبوءة، فهو يخطط بشكل جيد، ويسعى ويجتهد، غير أن هناك ظلمًا قد وقع عليه، قد يصاب هذا الشخص بالحقد على الآخرين، فهو يظن بأن ينبغي "أن يكون هناك" بعد اجتهاده، وهذه النبوءة تم إبطالها ظلمًا، يجد هذا الشخص نفسه محقًا في حقده وكراهيته للآخرين الذين لم يتعرضوا للظلم وكُللت جهودهم بالنجاح.
أنا أستحق لكني لن أقوم بشيء (النبوءة الثالثة)
في وجهة نظري هي المصدر الأكبر للحقد على الآخر، فهذا النوع يعتقد بأنه يستحق شيئًا أفضل مما هو عليه، غير أنه لن يجتهد، ولن يسعى، وسيظل يقوم بنفس الشيء ويتوقع أن تتغير أحواله، وعندما يشاهد نجاحات الآخرين يتم الاعتداء على نبوءته "بأنه يستحق" لأن هذا الاستحقاق ذهب للغير، ما يعني – ضمنيًا – أنه ليس هو المعني بذلك الاستحقاق.
إن الحقد بالتالي ليس سببه الكراهية، أو سواد النفوس، لأن البؤرة الأولى التي ينطلق منها الحقد هو نبوءة تم استخدامها بشكلٍ خاطئ، ثم تتولد الكراهية وينشذ السوء بعد ذلك، في ظني أنه لا ينبغي على الإنسان أن يحمل بصدره نبوءة لأن العالم لم يعده بشيء، فإذا وعد هو نفسه بشيء ينبغي أن يتحلى بالحكمة وأن يصبر على الظلم الذي يحدث دون أن يجعل الحقد يتملك منه فيهدمه أكثر.
والثابت عن الحقد بأنه شعور غير منطقي، لأنه يأتي عن بؤرة ليست منطقية، فما الذي يجعلك تحمل نبوءة ليس لها دلالات؟ كما أن الحاقد لا يرى غير الجانب المنير من حياة الآخر، ولا يبعأ بما يمر بهذا الآخر من سوء، وما خسره ليجني شيئًا ما، وهل ذلك الآخر يشعر بالرضا حقًا؟
وأنت كيف ترى الحقد؟ هل باعثه النبوءة أم شيء آخر في رأيك؟ وكيف تجنب نفسك هذا الفخ؟
التعليقات