الكثير من اللقاءات تابعتها لأشخاص بلغوا من العمر ما بلغوا، وعند سؤالهم عن الأمور التي ينصحون بها من يصغرونهم بالعمر فتتنوع النصائح في بنائها بين ندم على ما فات أو تغيير المنظور لأمر ما أو اتخاذ قرار معين. فما هي الأمور التي تعتقد أن البشر يندمون عليها عند التقدم بالعمر؟
ما هي الأمور التي نندم عليها عندما نكبر بالسن؟
أعتقد أن أكثر شيء يندم عليه الشخص و التي دائما اسمعها هي الاستغلال الأمثل لأوقات الفراغ، خصوصا في الدراسة أو في تعلم مجال معين أو حرفة، فوصلنا لوقت الملهيات فيها كثيرة و بالتالي نخسر العديد من الوقت، فدائما أنصح بإستغلال كل وقت فراغ يكون لدينا و لا بأس إن تعبنا ، فالأفضل أن نتعب في فترة الشباب حتى نرتاح عندما نكبر.
فالأفضل أن نتعب في فترة الشباب حتى نرتاح عندما نكبر.
صراحة لا أرى في هذه المقولة أي شيء إيجابي وربما تكون نفسه أهم الأمور التي يندم عليها الشخص عندما يكبر، حيث أنه لم يفعل الأشياء التي كان يمكنه فعلها في فترة الشباب وخاصة التي لها علاقة بالقوة الجسدية او إمكانية السفر لمعرفة بقاع أخرى في العالم، فنحن نسمع هذه المقولة منذ الصغر ونكتشف أننا كلما كبرنا في العمر يزداد التعب والمسؤوليات أكثر، ربما أرى أن استخدام أوقات الفراغ كما أشرت هي النقطة الهامة وليس لها علاقة بالتعب في فترة الشباب للراحة في الكبر.
ونكتشف أننا كلما كبرنا في العمر يزداد التعب والمسؤوليات أكثر،
لا حمدي، الراحة عند الكبر هذه حقيقة ممكنة فعلا، فلكل مرحلة عمرية طبيعتها، ومن أهم مميزات مرحلة الشيخوخة أنك تصبح مستشارا لمن حولك. من المفترض أن يكون هذا هو عملك حينها، ولكن لا أحد يصل لهذا المفترض المريح إلا بعدما يمر في مرحلة الشباب بالتعب والتجربة لاكتساب الخبرات. ومن لا يفعل ذلك في مرحلة الشباب فإن التعب يستمر معه إلى الشيخوخة. تجد على سبيل المثال العامل الذي لم يطور نفسه ولم يطمح إلى مكان آخر ظل كما هو عاملًا وتستمر حياته بالتعب إلى سن كبير.
ومن أهم مميزات مرحلة الشيخوخة أنك تصبح مستشارا لمن حولك. من المفترض أن يكون هذا هو عملك حينها
ليس بالضرورة يا رغدة فكم من المستشارين حولنا من كبار السن وصلوا لهذه المرحلة فقط لأنهم كبروا في السن وليس لأنهم تعبوا ودليهم من الخبرات ما تؤهلهم ليكونوا مستشارين، وأرى أن نواجه الحياة بواقعية شديدة التعب في الحياة لا يتعلق بفترة زمنية معينة وربما العامل الذي لم يطور من نفسه لم يكن له من الظروف المحيطة أو المؤهلات ما تمكنه من التطور والوصول إلى غاية الراحة عندما يكبر وحولنا نرى العديد من كبار السن يعملون ويكدحون بسبب ظروف مختلفة أو لأنهم أنفسهم يحبون العمل ولا يحبون الراحة أو يفضلونها، مرحلة الشباب مهمة لأنها ما تقودك وتحدد مستقبلك ولكن لا يجب أن ننظر للعوامل المحيطة ونأخذها بمحمل الجد فالتعب ليس مقرونا بفترة وكل ما يمكننا فعله هو محاولة الاستثمار في أنفسنا حتى نصل لمرحلة الراحة، لأن هنالك أشخاص يكون من الصعب عليهم أن يصلوا لها فنحن نعيش في عالم غير متكافئ القوى ومتغير باستمرار فإن السعي والاستثمار في أنفسنا لا يكون نتيجته دائما الراحة فيما بعد.
"إهمال الذات في سبيل كسب رضى الأخرين" هذا ما ألاحظه في أغلب نقاشاتي مع من يكبرونني سنا، (وحتى أنا كم ندمت على مواقف مشابهة)، فالغالب على ما يشعرهم بالندم هو محاولة ارضاء المجتمع والمحيط الخارجي لهم من عائلة وأقرباء أو عشيرة وغيرهم حتى لو كان ذلك على حساب مفضلاتهم وما يمتعهم ويفرحهم، أو حتى على حساب راحتهم، مثال على ذلك ما سردته لي واحدة من قريباتي أنها كانت تستيقظ قبل الفجر بساعتين تقريبا لتجهيز وجبة السحور لزوجها وعائلته (بحكم أنهم يعيشون في بيت واحد) فقط لأنهم لا يرضون بأكلها إلا وهي ساخنة!؟ وتروي لي كم كان ندمها شديدا لابتغاء مرضاة مجتمع على حساب راحتها وما تفضله.
وهؤلاء الذين يفيقون متأخرًا ويأخذون الدرس في مرحلة الشيخوخة قد يعيشون مرحلة شباب متأخرة، يحاولون تعويض الشباب الضائع ولكن هيهات.
يحاولون تعويض الشباب الضائع ولكن هيهات
وقد يتبعون هذه الصحوة المتأخرة باللامبالات بمن حولهم بصفة قوية وظالمة، فبدل إهمال الذات وتبخيسها يعظمونها بقدر مبالغ فيه لدرجة الأنانية، وهذا ينتج عن خلل في إدارة الذات، فإذا لم يكن هناك تقدير للذات بشكل صحيح، يمكن أن يؤدي ذلك إلى سلوكيات سلبية تجاه الآخرين، مثل الانغماس في الأنانية والتصرفات الظالمة لمن حولهم.
أكثر ما يمكن أن يندم عليه الفرد هو تفريطه في دينه على حساب دنياه، وهذا الأمر شهدته بشكل كبير في العديد من المشاهد لأشخاص كبار في السن، وهذا أمر منطقي خاصة وأن العديد من الشباب يفرّطون في هذا الجانب، ولا ينتبهون إلا بعد انقضاء سنوات عديدة مع الأسف من عمرهم، ثاني شيء هو الصحة والفراغ، فسأندم كثيرا في حالة ما ضيّعت أوقات فراغي في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أن الصحة إذا ذهبت فهي لا تعود، وكما نعرف فكلما كبر الإنسان كلما ضعفت صحته وقلّت مناعته.
وهذا الأمر شهدته بشكل كبير في العديد من المشاهد لأشخاص كبار في السن
التوبة في مرحلة الشباب أيضا ليست بالأمر السهل، وحتى أن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب، فالإنسان يعتقد بقلة عقله أنه مخلد، وأنه سيعيش إلى مرحلة الشيخوخة فيستطيع عندها التوبة، ولكن الكثيرين يباغتهم الموت قبل أن يصلوا لهذه المرحلة للأسف.
وجود إمكانية غير مستغلة في التصالح و السلاسة مع الحياة و العفو عن الناس ، لأن حمل الأضغان فضلا عن كونه ينخر الصحة فهو كذلك يضيع و يهدر الوقت و يعيق التقدم نحو النجاح و تحقيق الأهداف ، لذلك فإن كبير السن يندم لأنه استهلك معظم عمره حاملا للأضغان و الأحقاد التي لم يحقق من ورائها أي شيء يذكر ..
والله مؤخرًا بدأت في التعامل مع الناس بسطحية شديدة وعلى قدر عقولهم حرفيا. الناس لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد، فالله أوجد فيهم الكثير من الطباع المستفزة والكفيلة بهدم علاقاتنا بالكل، والأهم أن لا شخص كامل. الكل به عيوب. لذا من الأفضل أن نتعامل مع الجانب الحسن، ونترك العيوب لأصحابها وكأننا لا نراها.
بالفعل آنسة رغد و هذا هو الأسلوب الجميل الذي نحتاج كلنا لانتهاجه ، فالحياة إذا لخصناها عبارة عن سفرية و طريق طويلة لا أحد يدري كم كيلومترا و كم وقتا سيقتطع منها عبر محطاتها المتعددة و كل محطة تحمل تحديات و أشخاص و مواقف و الإنسان الذكي الإيجابي حين يتعثر مع الناس في محطته الأولى فإنه يكتسب بذلك عبرة و خبرة تؤهله لكي لا يقع في نفس التعثر مجددا في ما ستقابله من محطات و قد جاء في حديث مروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) ، فالمؤمن يؤمن بأن كل شيء يحصل معه يحمل الخير و النفع و بالتالي لا ييأس و لا يمل و لا يندم ، فندم الكبار رسالته هي أنهم لم يعيشوا الجانب الإيجابي من رحلة حياتهم و استسلموا في أول تعثر و سمحوا للظلام بأن يخيم على سمائهم و يحجب عنهم الرؤية و بذلك ضيعوا وقتا طويلا في التحسر و السلبية و الدراما و العناد غير المجدي بينما كان متاح لهم اكتساب الدرس ثم التجاوز و الانتقال إلى الصفحة الموالية ..
التعليقات