وَمَن جَهِلَت نَفسُهُ قَدرَهُ
رَأى غَيرُهُ مِنهُ مالا يَرى

مرحباً من جديد !

مرة أخرى إلى واحة الحكم، إلى أبيات المتنبي، وهذه المرة منتزعين البيت من سياقه الهِجائي القاسي، ومستخلصين منه حكمة حياتية تنادي بها أصوات التنمية الذاتية من حولنا، ولكن هل يحق لنا كجمهور القراء أن ننتزع بيتاً من سياقه وإن استخلصنا منه قيمة ذات أهمية ملموسة ؟

يقال بين العامة "رحم الله امرأً عرف قدر نفسه" .. وهذا جوهر ما دعا إليه المتنبي في ظاهر هذا البيت، فهو يقول أن من جهل قدر نفسه، عميت عيونه عن رؤية ما يرى الناس فيه، قد يكون مقصد المتنبي هنا إهانة من هجاه في سياق الأبيات، ولكن رأيت من يفسر البيت على وجه إيجابي فارتأيت أن نناقش المعنيين وإن كان أحدهما يوضح المقصد والآخر لا يؤدي ذلك .

ماذا عن عيوبنا .. هل نحن حقاً عاجزون عن رؤيتها ؟

هنا تذكرت مثلاً شعبياً عندنا لطالما كنت أسمعه على لسان من هم حولي، أن الشخص لا يرى عيوبه كأنه جمل لا يمكنه رؤية اعوجاج رقبته، وهذا ما قصده المتنبي من البيت، أي أن الشخص وإن أعجبته نفسه ولم يرى عيبه، سيرى فيه الآخرين ذلك العيب وسيستقبحونه، لذلك نرى من حولنا من يحيطون أنفسهم بهالة من المثالية تمنعهم من رؤية أخطائهم ومحاسبة أنفسهم، يخطئون ولا يعتذرون، يضلون الطريق ولا يتقبلون العودة وتصحيح المسار، ترى ما أسباب هذه الظاهرة وهل تسهم مواقع التواصل الإجتماعي التي تعد المسرح الأكبر لعرض المثاليات في مفاقمتها ؟

الرأي الآخر متعلق بمواهب الإنسان وقدراته، فأحياناً يرى فينا الآخرون ما نعجز عن رؤيته في أنفسنا، أحياناً لا ننتبه لما نمتلكه من مهارات إلا عندما يلاحظها أحدهم، ويروي الكثيرون قصة اكتشاف مواهبهم وتبنيها من قبل أشخاص كانت لهم تلك النظرة الواعية، قد يكون معلم في المدرسة أو أحد الوالدين أو مجرد غريب يسكن خلف شاشة الهاتف، وأنت من اكتشف موهبتك ؟

ماذا عنكم، مع أي المعنيين تتفقون، ولماذا يعجز الإنسان عن معرفة قدراته وعيوبه ؟