هل تعتقدون أن جمال المظهر انعكاس لجمال المخبر؟ هل خدعك الظاهر عن الباطن من قبل؟ هل ترى نفسك برغم منك مشدود لمصادقة ومصاحبة الجميل أو الجميلة ممن لهم وجوه حسناء تأسرك بمنظرها ورواؤها؟  فلنأخذ حذرنا يا أصدقاء ؛ فالناس بطبيعتهم خداعون غشاشون متملقون حتى الثمالة! وقديماً قالوا : ليس كل ما يلمع ذهباً وأنا أقول اليوم: ليس هنالك من ذهب إلا النادر د فجُل ما تراه زائف زائف زائف! 

ليس أنا من يقول ذلك بل كبار شعرائنا ممن خبروا الحياة على طبيعتها ونطقت ألسنتهم بتجاريبها؛ فليس كل وجه رائق الحسن حلو القسمات واضح الجبين يسبيك بحسنه يماثل مظهره مخبره.

 قال الشريف الرضي:

لا تجعلن دليل المرء صورته       كم مَخْبر سمجٍ في منظر حسنِ

فمالنا نثق بحسن الصورة وجمال الملامح وحَوَر العيون ورقة الإهاب عن العشرة التي لا تغني عنها في معرفة البواطن والأسرار؟!

هل تذكرون تيد بندي الجميل الصورة الوسيم الخجول جذاب النساء؟! هل تعرفون أشهر قاتل متسلسل في تاريخ أمريكا؟! لقد أسرت وسامته وحسن حديثه النساء فوقعن في حبه ففعل بهن الأفاعيل! الغريب أن الشرطة لم تشك فيه بادئ ذي بدء؛ فهل تلك الصورة القسمية الوسيمة وذلك الوجه البريء يمكن أن يقتل حتى عصفورة؟!! نعم وأكثر يا أصدقاء!! ففي قصيدته عن أبي الهول قال شوقي مخاطباً إياه مخالفاً ومفنداً لموقف السابقين واللاحقين ممن ارتاعوا من صورته التي نصفها بشرية ونصفها وحشية فقال:

وَما راعَهُم غَيرُ رَأسِ الرِجالِ              عَلى هَيكَلٍ مِن ذَواتِ الظُفُر

وَلَو صُوِّروا مِن نَواحي الطِباعِ             تَوالَوا عَلَيكَ سِباغَ الصُوَر

فَيا رُبَّ وَجهٍ كَصافي النَميرِ                تَشابَهَ حامِلُهُ وَالنَمِر

فلماذا نستبشع صورة أبي الهول وبعض بني البشر قد يفوقونها بشاعةً وخسة ولؤماً؟! فلو أقدر الله الناس على رؤية ما في صدور بعضهم البعض لما تعاشروا ولما ود أحدهما صاحبه! فشوقي هنا يلفتنا لفتة قوية حتى لا نغتر بالوجه الحسن الصافي صفاء مجرى الماء العذب المتلألئ فهو ليس نميراً وإنما نمراً وحشاً كاسراً يرتقب الفرصة لينقضً!

ليس فقط حسن الصورة هو ما يخدع ولكن مدهون الكلام وملقه! فكما قال الشاعر: 

يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً        ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ

فليس الوجه البريء الحسن هو من يأسرنا يا أصدقاء بل معسول الكلام قد يكون من خلفه قلب مشتعل بالحقد والحسد ونزعة الشر:

فلا يخدعنك ما ترى من أناس        إن تحت الضلوع داءً دوياً!

فهل يا أصدقاء تميلون إلى تصديق كل ما ترون ومعظم ما تسمعون؟ وهل مرت بكم تجارب غرتكم المظاهر عن حقيقة البواطن؟ ولماذا تعتقدون أولا تعتقدون في قضية أن السريرة الحسنة تنضح على وجوه أصحابها؟