كان المتنبي وفير الشَعر في صغره، فأُعجب أحدهم بذلك، وأطرى شعر المتنبي، فردَّ عليه بهذه الأبيات: 

لا تحسُنُ الوفرة حتى تُرى * منشورة الضفرين يومَ القتال
على فتى معتقل صعدةً * يعلّها من كلِّ وافي السبال

يقول المتنبي أنّ هذا الشَعر الوفير لا يحسُن، حتّى تُرى ضفائره مفتوحة، ومغبرَّة في يوم القتال، وفي يدي صعدة رمح يشرب ويتعلّل من دماء المقاتلين، تامِّي اللحا والرجولة. المتنبي صرف نظره من خصلات شعره في الوقت الحالي، إلى ما يُريدها أن تكون مستقبلًا، مفتوحة الضفائر، والضفائر كانت أمرًا سائدًا في الرجال المحاربين.

يقول الأستاذ الكبير محمود شاكر في كتابه عن المتنبي وهذه الأبيات:

هو هذا الالتفات الشِعري الجميل من المعنى المحدود بغرض قائله، إلى المعنى المترامي بخيال سامعه، فإن أصحابه كانوا يُعجِّبونه من حسن وفرته و استرسالها ولينها، فتجاوز صاحبنا هذا بخياله من الصورة الحاضرة على الصورة التي يريد أن يراها، شعثاء غبراء يوم ينشر مضفورها يوم القتال بين الغبار الثائر و الدم المهراق. و هذا إثباتٌ للأصل الشعري القائم في نفسه.

ويستخرج أبو فهر محمود شاكر من هذا البيت أصلًا ثانيًا فيقول:

الأصل الثاني الرجولة و الفتوة، و بُعد الهمة، و عِظم المطلب. وانصرافه عن سفاسف إلى معاليها ، لا يعبأ بلذةٍ لا تجدي خيراً، ولا تؤتي ثمرًا، إنما يجد لذته فيما يأتيه بما يريد، ولو كان فيه شقاؤه و جهده.

إنَّ من البيان لسحرًا! أبيات أبي الطيّب المتنبي تحضرُ في ذهني دائمًا، حين أرتدي صدريّتي البيضاء في المستشفى، وأُخرجُ الهاتف لآخذ "سيلفي" متباهيًا، أتذكّر هذه الأبيات، فأقول لنفسي لازلتَ لم تتخرَّج بعد، وما فائدة هذا "البياض" إن لم يكن يُستعمل فعلًا فيما هو صالح، بالنسبة لي فصدريتي سيحسُن لونها حين أراها قد تلطَّخت بدما من أنقذته من نزف، أو بقيء من عالجته من داء.

أتذكّر أنِّي رأيت هذه الحادثة في مسلسل أيضًا وهذا الفيديو الخاص بها:

هل تستطيع اسقاط بيت أبي الطيِّب على أمر من أمور حياتك؟