كل ابن آدم خطاء، يظل يتأرجح بين الخطأ والصواب ما بقي حياً على هذه الأرض، حسناً ماذا إن كان على خطأ ولا يعي ذلك؟ هنا تبرز أهمية النصيحة، فكلنا بلا استثناء ومهما بلغت خبرتنا نحتاج إلى النصح والإرشاد، ونحتاج إلى تبادل خبراتنا ومعارفنا مع بعضنا، إذاً ما الذي يجعل النصيحة مهمة شديدة الصعوبة في زماننا هذا ؟

يقول أبو الأسود الدؤلي :

فَما كُلُّ ذي لُبٍّ بِمؤتيكَ نُصحَهُ 
وَما كُلُّ مؤتٍ نَصحَهُ بِلبيبِ

يالها من مفارقة، بين شخصين أحدهما لبيب بخل بالنصح، والآخر ينصح فيما لا يفقه، كيف نتصدى لهذين الاثنين ؟ دعنا نخوض في الأسباب المحتملة لهذين التصرفين.

 ما الذي يجعل الشخص الحكيم يمتنع عن تقديم النصيحة لمن هم دونه، أولاً دعني أضع التعرض للرفض على رأس الأسباب التي تردع اللبيب عن تقديم نصيحته للمخطئ، أن يخشى ردة فعله وعدم تقبله للنصح والذي قد يرتقي إلى التصعيد بين الطرفين..ما رأيكم هل توافقونني ؟ وهل لديكم أسباب أخرى تودون إضافتها ؟

ماذا عن شخص ليس كفء لتقديم النصيحة ولكنه يستفيض في ذلك ؟ لنجاوب على سؤال كهذا أولاً لنعرف ما الذي يجعل من الشخص مؤهلاً للنصيحة، يقول أحمد شوقي :

آفةُ النصحِ أن يكون لجاجًا
وأذى النُّصحِ أن يكون جِهارا

من آداب النصيحة التي ذكرها شوقي عدم الجهر بالنصيحة وسط الجموع، فكما يقال النصيحة أمام الجمع فضيحة، فيجب أن يكون الهدف من النصيحة حسب شوقي هو توجيه الشخص وتتم معه على انفراد وأن لا يكون الهدف منها هو تسليط الضوء على خطئه وفضحه .

يضيف شوقي أيضاً :

لكَ نُصْحي وما عليكَ جِدالي  
آفةُ النصحِ أن يكون جِدالا

عندما ينصح الشخص كي يجادل لا يعد ناصحاً، فكما ذكرت النصيحة يكون الهدف منها هو التوجيه والإرشاد وليس التوبيخ وافتعال الجدال، وإنه لمن أهم أسباب عدم قبول النصيحة أن يتم تقديمها في قالب عدواني لا يتقبله أحد، أو أن تكون متضمنة إهانة أو إساءة للشخص.

نأتي إلى زماننا هذا فنجد أن النصيحة أصبحت فعلاً منبوذاً ويندرج تحت التدخل في شؤون الآخرين فكم من مرة حاولت نصح أحدهم وأجابني باندفاع : "ما شأنك" لأعتزل النصح من يومها حتى لا أتعرض لمثل هذه المواقف المزعجة .

والآن أختم بسؤال أتوق لقراءة إجاباتكم عليه : لماذا أصبحنا نخاف أو نتجنب نصح الآخرين؟ وما الذي يجعلهم لا يتقبلون النصيحة ؟